توسع الكيان الاقتصادي للحكومات منذ انتشار مخرجات الثورة الصناعية فصار هو الأكبر والأكثر سيطرة في أي دولة. ومن ثم فإن للإنفاق الحكومي دورا محوريا في تقرير أنماط الاستهلاك والاستثمار والأرباح والنمو الاقتصادي. وكميا تنامى حجم الإنفاق الحكومي عالميا نحو مرتين إلى ثلاث مرات بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. ففي دول الغرب عامة -على سبيل المثال- نما الإنفاق من نحو 15 في المائة من حجم الناتج المحلي عام 1935 أي قبيل بداية الحرب العالمية الثانية، ليصل في متوسطه نحو 40 في المائة حاليا. ما أهم أسباب هذا النمو؟ سببان: الأول توسع وزيادة السلع العامة. الآخر زيادة الحاجة إلى التدخل الحكومي في الاقتصاد.
وبينت دراسات معتمدة على نماذج أن البنية التحفيزية التي يؤثر فيها مباشرة الإنفاق العام في ازدياد. وأن مشكلات العولمة فرضت تحديات إضافية على الدول.
رغم ما سبق، فإن تأثير حجم الحكومة الإنفاقي في النمو الاقتصادي موضوع عليه خلاف بين علماء الاقتصاد. أهم أسباب هذا الخلاف وجود جانبين متعارضين في الإنفاق الحكومي. فمن جهة يعد القطاع العام بصورة عامة أقل كفاءة في عمله وإنفاقه مقارنة بالقطاع الخاص. في المقابل، صنع الوصف السابق عيبا في القطاع الخاص وميزة في العام. القطاع الخاص أكثر تخوفا وتشددا في الإنفاق من القطاع العام في أنشطة ضعيفة الربحية، لأكثر من سبب، أو عند وقوع مشكلات أو فترات ضعف في الاقتصاد. وما أكثر وقوع حدوث ذلك فالنعم لا تدوم.
ولنا في قصة يوسف -عليه السلام- مع ملك مصر عبرة. وزادت في عصرنا الحاضر مشكلة الانتقال من اقتصاد بسيط نام إلى اقتصاد متطور. صعب تحقيق ذلك دون تدخل حكومي ومنه الإنفاق.
تنامي الإنفاق الحكومي مقيد بمصادر تمويل هذا الإنفاق. وكلنا نعرف أن الميزانية في بلادنا وعامة دول العالم تعاني عجزا. وهذا يجر إلى سؤال: ماذا ينبغي تجاه هذا العجز؟ وجواب هذا يجر إلى سؤال عن الحجم الأمثل للميزانية.
جواب هذا السؤال يبنى على جواب أربعة أسئلة:
1. ما السلع والخدمات المطلوب أن توفرها الدولة؟
2. ما آثار توفيرها؟
3. ما مصادر تمويلها، وخصائصها؟
4. ما آثار اختيار مصادر تمويلها في الاقتصاد المحلي والعلاقات المالية الدولية؟
توفر الدولة ما يسمى السلع العامة Public Goods، مقابل السلع الخاصة التي يوفرها القطاع الخاص.
عندما ترغب الدولة في مراجعة جوهرية لممارساتها المالية، فمن المؤكد أنها بحاجة إلى تشخيص الوضع جيدا.
والتشخيص الجيد يتطلب نظرا عميقا للماضي بأطول مدة ممكنة. تماما مثل الطبيب عندما يراجعه مريض بمرض مزمن خطير، فإنه ينظر ضمن ما ينظر إلى تاريخ المرض والمريض، معرفة تساعده على تشخيص أفضل للمرض وأنسب علاج له. وإذا عرض الوضع على طبيب آخر رغبة في التأكد، فإن هذا الطبيب الثاني يحتاج أيضا إلى أن ينظر إلى الماضي. ولذا يخطئ من يعدون أن دراسة الماضي لا حاجة إليها عند تبني سياسات جديدة تعالج أخطاء الماضي أو عند مراجعة وتقييم هذه السياسات.
ما أفضل منهجية للتشخيص، والتعرف على التفاعلات الحركية للإنفاق العام، أي للإجابة عن التساؤلات الأربعة السابقة كلها أو بعضها؟
التعرف بطريقة أدق تتطلب بناء نموذج Model اقتصادي تدخل فيه البيانات الإحصائية. جودة النموذج تنبع من قدرته على استعمال كل ما يمكنه من بيانات وعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية، لها تأثير في الإنفاق العام والنمو الاقتصادي. وهذا يعني أن يكون في طريقة بنائه محاكيا مصورا للواقع قدر الإمكان. ومن ضمن ما يحويه النموذج دالة إنتاج Production Function.
نتائج ومخرجات النموذج ليست بالضرورة مؤكدة، لكنها تعطي تشخيصا أفضل بكثير من حالة التشخيص من دونها. ذلك أن الاقتصاد لا يمكن وضعه في مختبر، كما هو الحال في علوم الطب والكيمياء وغيرها من علوم مختبرية. ومن ثم لجأ علماء الاقتصاد إلى تطوير نماذج تحاكي الواقع قدر الإمكان وحسب اجتهاد واضع النموذج.
عمل النماذج يتطلب فهما للنظرية الاقتصادية والاقتصاد القياسي Econometrics أحد فروع علم الاقتصاد. والمهارة في الاقتصاد القياسي تتطلب مهارات في النظرية الاقتصادية والرياضيات والإحصاء. أما مجرد النظر إلى إحصاءات دورية لمتغيرات مثل الإنفاق والناتج المحلي والعجز والتضخم ومقارنة زيادتها أو انخفاضها دوريا فهي وإن كانت تفيد في إعطاء تصور، لكنه تصور أقل جودة وتقديرا كميا في تشخيص وفهم الأوضاع مقارنة بقوة وفائدة النماذج وأدواتها الاقتصادية القياسية. الجميع يعرف مدى قوة وأهمية عوامل مؤدية إلى تحسن ونمو الاقتصاد على المدى البعيد خاصة، كالصحة والتعليم. وهنا تدخل سياسات حكومية توسعية في الإنفاق لو بينت التحليلات أن الإنفاق على الصحة والتعليم دون المطلوب أو كانت فئات كثيرة من المجتمع لا تحصل على كفايتها منهما.
أسباب أخرى رئيسة في زيادة الإنفاق الحكومي ونسبته، في دول خاصة. تزايد الإنفاق على الرعاية الاجتماعية ودعم ذوي الدخول المعدومة أو المحدودة. وتزايد نسبة المسنين خارج دائرة العمل. والنتيجة زيادة نسبة الإنفاق الحكومي إلى الناتج المحلي، خاصة أن المعاشات التقاعدية لكثير منهم متدنية. وهناك سبب آخر. يمر الاقتصاد بدورات هبوط. وفيها تنخفض استثمارات القطاع الخاص ويضعف الطلب. وهذا بدوره يضعف توليد الوظائف. وهنا تعوض الحكومة بزيادة الإنفاق لتحريك عجلة دورات الهبوط، كما حصل عندنا في العام الماضي.
نتيجة ما سبق زيادة نسبة الإنفاق الحكومي في دول متطورة لتصل إلى نحو 40 في المائة من الناتج المحلي.
السؤال التالي ما مصدر التمويل؟ مصدر التمويل غالبا سيكون الضرائب عاجلا أم آجلا. والناس تكره الضرائب، فقد خلق الله البشر محبين للمال حبا جما. لكنهم في الوقت نفسه يطالبون حكوماتهم بخدمات شتى. هناك مصدر آخر وهو التيسير الكمي أي طباعة مزيد من النقود. ولهذا أضراره. وهناك مصادر محتملة أخرى تناولها يطيل المقال، لكنها تبقى محدودة في الدول التي تتبنى مبدأ اقتصاد السوق وليس منافسته أو اشتراكيته.
نقلا عن الاقتصادية
وبينت دراسات معتمدة على نماذج أن البنية التحفيزية التي يؤثر فيها مباشرة الإنفاق العام في ازدياد. وأن مشكلات العولمة فرضت تحديات إضافية على الدول.
رغم ما سبق، فإن تأثير حجم الحكومة الإنفاقي في النمو الاقتصادي موضوع عليه خلاف بين علماء الاقتصاد. أهم أسباب هذا الخلاف وجود جانبين متعارضين في الإنفاق الحكومي. فمن جهة يعد القطاع العام بصورة عامة أقل كفاءة في عمله وإنفاقه مقارنة بالقطاع الخاص. في المقابل، صنع الوصف السابق عيبا في القطاع الخاص وميزة في العام. القطاع الخاص أكثر تخوفا وتشددا في الإنفاق من القطاع العام في أنشطة ضعيفة الربحية، لأكثر من سبب، أو عند وقوع مشكلات أو فترات ضعف في الاقتصاد. وما أكثر وقوع حدوث ذلك فالنعم لا تدوم.
ولنا في قصة يوسف -عليه السلام- مع ملك مصر عبرة. وزادت في عصرنا الحاضر مشكلة الانتقال من اقتصاد بسيط نام إلى اقتصاد متطور. صعب تحقيق ذلك دون تدخل حكومي ومنه الإنفاق.
تنامي الإنفاق الحكومي مقيد بمصادر تمويل هذا الإنفاق. وكلنا نعرف أن الميزانية في بلادنا وعامة دول العالم تعاني عجزا. وهذا يجر إلى سؤال: ماذا ينبغي تجاه هذا العجز؟ وجواب هذا يجر إلى سؤال عن الحجم الأمثل للميزانية.
جواب هذا السؤال يبنى على جواب أربعة أسئلة:
1. ما السلع والخدمات المطلوب أن توفرها الدولة؟
2. ما آثار توفيرها؟
3. ما مصادر تمويلها، وخصائصها؟
4. ما آثار اختيار مصادر تمويلها في الاقتصاد المحلي والعلاقات المالية الدولية؟
توفر الدولة ما يسمى السلع العامة Public Goods، مقابل السلع الخاصة التي يوفرها القطاع الخاص.
عندما ترغب الدولة في مراجعة جوهرية لممارساتها المالية، فمن المؤكد أنها بحاجة إلى تشخيص الوضع جيدا.
والتشخيص الجيد يتطلب نظرا عميقا للماضي بأطول مدة ممكنة. تماما مثل الطبيب عندما يراجعه مريض بمرض مزمن خطير، فإنه ينظر ضمن ما ينظر إلى تاريخ المرض والمريض، معرفة تساعده على تشخيص أفضل للمرض وأنسب علاج له. وإذا عرض الوضع على طبيب آخر رغبة في التأكد، فإن هذا الطبيب الثاني يحتاج أيضا إلى أن ينظر إلى الماضي. ولذا يخطئ من يعدون أن دراسة الماضي لا حاجة إليها عند تبني سياسات جديدة تعالج أخطاء الماضي أو عند مراجعة وتقييم هذه السياسات.
ما أفضل منهجية للتشخيص، والتعرف على التفاعلات الحركية للإنفاق العام، أي للإجابة عن التساؤلات الأربعة السابقة كلها أو بعضها؟
التعرف بطريقة أدق تتطلب بناء نموذج Model اقتصادي تدخل فيه البيانات الإحصائية. جودة النموذج تنبع من قدرته على استعمال كل ما يمكنه من بيانات وعوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية، لها تأثير في الإنفاق العام والنمو الاقتصادي. وهذا يعني أن يكون في طريقة بنائه محاكيا مصورا للواقع قدر الإمكان. ومن ضمن ما يحويه النموذج دالة إنتاج Production Function.
نتائج ومخرجات النموذج ليست بالضرورة مؤكدة، لكنها تعطي تشخيصا أفضل بكثير من حالة التشخيص من دونها. ذلك أن الاقتصاد لا يمكن وضعه في مختبر، كما هو الحال في علوم الطب والكيمياء وغيرها من علوم مختبرية. ومن ثم لجأ علماء الاقتصاد إلى تطوير نماذج تحاكي الواقع قدر الإمكان وحسب اجتهاد واضع النموذج.
عمل النماذج يتطلب فهما للنظرية الاقتصادية والاقتصاد القياسي Econometrics أحد فروع علم الاقتصاد. والمهارة في الاقتصاد القياسي تتطلب مهارات في النظرية الاقتصادية والرياضيات والإحصاء. أما مجرد النظر إلى إحصاءات دورية لمتغيرات مثل الإنفاق والناتج المحلي والعجز والتضخم ومقارنة زيادتها أو انخفاضها دوريا فهي وإن كانت تفيد في إعطاء تصور، لكنه تصور أقل جودة وتقديرا كميا في تشخيص وفهم الأوضاع مقارنة بقوة وفائدة النماذج وأدواتها الاقتصادية القياسية. الجميع يعرف مدى قوة وأهمية عوامل مؤدية إلى تحسن ونمو الاقتصاد على المدى البعيد خاصة، كالصحة والتعليم. وهنا تدخل سياسات حكومية توسعية في الإنفاق لو بينت التحليلات أن الإنفاق على الصحة والتعليم دون المطلوب أو كانت فئات كثيرة من المجتمع لا تحصل على كفايتها منهما.
أسباب أخرى رئيسة في زيادة الإنفاق الحكومي ونسبته، في دول خاصة. تزايد الإنفاق على الرعاية الاجتماعية ودعم ذوي الدخول المعدومة أو المحدودة. وتزايد نسبة المسنين خارج دائرة العمل. والنتيجة زيادة نسبة الإنفاق الحكومي إلى الناتج المحلي، خاصة أن المعاشات التقاعدية لكثير منهم متدنية. وهناك سبب آخر. يمر الاقتصاد بدورات هبوط. وفيها تنخفض استثمارات القطاع الخاص ويضعف الطلب. وهذا بدوره يضعف توليد الوظائف. وهنا تعوض الحكومة بزيادة الإنفاق لتحريك عجلة دورات الهبوط، كما حصل عندنا في العام الماضي.
نتيجة ما سبق زيادة نسبة الإنفاق الحكومي في دول متطورة لتصل إلى نحو 40 في المائة من الناتج المحلي.
السؤال التالي ما مصدر التمويل؟ مصدر التمويل غالبا سيكون الضرائب عاجلا أم آجلا. والناس تكره الضرائب، فقد خلق الله البشر محبين للمال حبا جما. لكنهم في الوقت نفسه يطالبون حكوماتهم بخدمات شتى. هناك مصدر آخر وهو التيسير الكمي أي طباعة مزيد من النقود. ولهذا أضراره. وهناك مصادر محتملة أخرى تناولها يطيل المقال، لكنها تبقى محدودة في الدول التي تتبنى مبدأ اقتصاد السوق وليس منافسته أو اشتراكيته.
نقلا عن الاقتصادية