ما الذي يحدث في قطاع السيارات؟

29/01/2020 2
عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

القطاع الصناعي من أصعب وأعقد القطاعات ولا يكاد يوجد قطاع فرعي من القطاع الصناعي لم يمر بمتغيرات كبيرة وتحولات خلال تاريخه، سواء من تطور التقنيات والمدخلات إلى تطور نوعية الطلب ورغبات العملاء، ولعل أبرز هذه القطاعات الذي يمر حاليا - في تصوري- بتطورات ستغير وجه هذه الصناعة مستقبلا هو صناعة السيارات، حيث تعود بداية تاريخ هذه الصناعة إلى نهاية القرن الـ19 وبالتحديد إلى عام 1886 عندما قدم كارل بنز أول سيارة تعمل بمحرك وبعدها توالت التطويرات والاختراعات في المحرك وناقل الحركة داخل ألمانيا وامتدت إلى فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، ولذلك تعد هذه الفترة فترة الاختراعات في المنتج Product Innovation حتى وصلنا إلى عام 1913 حيث تم تطوير أحدث أثر هائل في صناعة السيارات، فانتقلت الاختراعات من اختراعات المنتج إلى الاختراعات في سير العمل Process Innovation، مع قيام "فورد" بابتكار نظام ثوري وهو خط التجميع المتحرك الذي نقل صناعة السيارات إلى بعد آخر تماما، عن طريق هذا الابتكار استطاعت شركة فورد أن تنتقل من الإنتاج المحدود إلى الإنتاج الضخم وبهذا استطاعت تخفيض تكلفة السيارة الواحدة حيث لم يكن قبل ابتكار هذا الخط باستطاعة المنتجين إنتاج عدد كبير من السيارات وبالتالي التكلفة كانت عالية وخارج متناول أغلب الناس ولهذا لم يكن عدد السيارات في الشوارع كبيرا، لكن بعد الابتكار استطاعت "فورد" إنتاج عدد ضخم من السيارات وبالتالي انخفضت التكلفة كثيرا وأصبحت في متناول متوسطي الدخل، تكلفة سيارة من طراز تي T قبل خط الإنتاج المبتكر كانت في حدود 628 دولارا عام 1908 وبعد الخط الجديد انخفضت إلى 260 دولارا عام 1924 وهذا زاد شريحة العملاء وحقق للشركة مبيعات ضخمة قياسا على ذلك الزمن حتى إن الشركة استطاعت بيع أكثر من 15 مليون سيارة إلى عام 1927 وهو يفوق بكثير أي مصنع آخر.

بعدها استقر القطاع مع توالي بعض الاختراعات التحسينية في المحركات إلى منتصف القرن الـ20 مع تطوير "تويوتا" لما يعرف بالإنتاج الرشيق أو الإنتاج الخالي من الهدر Lean Production الذي يقوم على عدة مبادئ أساسية تحسن من العملية الإنتاجية مع انتقال الإنتاج إلى أساس السحب Pull والإنتاج في الوقت Just In Time اللذين غيرا طريقة التصنيع والصناعة وحققا التفوق للشركات اليابانية في وقتها ومن ثم طبق هذا النظام في كل أنحاء العالم.

مرة أخرى، هذه المرحلة تتسم بالاختراعات في سير العمل حتى وصلنا إلى الوقت الحاضر الذي يشهد الرجوع إلى التطوير في المنتج مع تقديم السيارات التي تعمل بالمحركات الكهربائية وسرعة نموها الذي ينذر بتغير أسرع مما توقعه الخبراء قبل عدة أعوام، حيث أسهمت التطورات والاختراعات للمحركات والأهم البطاريات في جذب مزيد من العملاء لهم، وصعود شركة تسلا كأكبر شركة مصنعة للسيارات من ناحية القيمة السوقية في سوق الأسهم متفوقة على شركة فولكس واجن الضخمة، وكذلك هناك تطورات في تصنيع الشركات التي تعمل على الوقود الهيدروجيني النظيف، كل هذه التطورات التقنية في اختراعات المحركات تعطي مؤشرا مهما للتغير المقبل وتبعاته على كل الموجودين التقليديين في هذا القطاع.


على الجهة الأخرى من القطاع هناك تغيرات على العملاء والطلب، حيث تشهد أسواق كبيرة مثل الولايات المتحدة تشبعا في الطلب وفي الوقت نفسه نشهد نموا ضخما من الصين خلال الأعوام الماضية وما زلنا نشهد مزيدا منه، ونموا كبيرا متوقعا من الهند وإفريقيا، حاليا يتم إنتاج أكثر من 70 مليون سيارة ثلثها يتم إنتاجه في الصين، وهناك أكثر من مليار سيارة حول العالم ربعها موجود في أمريكا.

كذلك هناك تطور يشهده الطلب مع سيطرة الطلب من قبل ما يسمى جيل Millennials وهم مواليد الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات الذين تراوح أعمارهم اليوم بين 23 و38 عاما وهم يميلون إلى طلب خدمات ومنتجات مختلفة عن الأجيال السابقة حيث يبحثون عن منتجات أكثر راحة والأهم أكثر مرونة، وهذا ينطبق على أغلب المجالات بما فيها التنقل الذي تعمل فيه السيارات، ولهذا ظهرت لدينا شركات وخدمات تعمل في قطاع يسمى السيارات المشتركة Cars Sharing، حيث يتم نشر مجموعة من السيارات في المدينة، وكل ما على العميل أن يبحث في هاتفه عن أقرب سيارة من هذا النوع بل يختار ما يناسبه من الخيارات ثم يتجه إليها ويفتحها عن طريق التطبيق، والسيارة يتم التحكم فيها عن طريق التطبيق والشركة ويستخدمها لمشواره ثم يركنها في أي مكان بشرط ألا يكون ممنوع الوقوف فيه، ويتم احتساب التكلفة بالوقت، وبهذا لا يحتاج العميل إلى تملك سيارة ويتحمل مصروفاتها وتأمينها والصيانة وغيرها، بل كلما احتاج إلى سيارة فتح التطبيق ووجد أقرب سيارة ويأخذها وينطلق، ولهذا تجد هذه الخدمة قبولا وانتشارا بين من يرون فائدتها حيث إن بعضهم يرى أنه لا يحتاج إلى سيارة معه كل الوقت فقد يمر عليه يوم أو يومان لم يستخدمها خصوصا في الدول التي تملك بنية تحتية للنقل ممتازة، وللعلم لقد بدأت في منطقة الخليج منذ فترة والآن هي في توسع مستمر.

بناء على هذه الخدمة يتوقع بعض الخبراء في الصناعة أن يتطور الأثر إلى أن يصل الحد أن يتوقف بيع السيارات من قبل مصنعي السيارات والوكلاء للأفراد أو بالأصح يصبح محصورا على طبقة محدودة فقط ويتحول البيع بالجملة إلى شركات السيارات المشتركة، وبهذا بدل البيع بالمفرد والتعامل مع عدد كبير من العملاء يصبح البيع بالجملة وعلى عدد محدود من العملاء المؤسسين "الشركات" وهذا إن تحقق فإنه يعني تحولا كبيرا في طرق البيع والتسويق والتكاليف والأهم تغير حجم الطلب وغيره على المصنعين وهذا ما قصدته في بداية المقال حول تطور الطلب وكيفية تأثيره في القطاع.

ختاما سنشهد على كل الأحوال تغيرات مهمة يجب على كل المستثمرين الحاليين في هذا القطاع التنبه لها. وكذلك من جهة أخرى ستؤثر في الطلب على النفط إذا استمرت أو زادت وتيرة التصنيع والتطور في قطاع السيارات الكهربائية مستقبلا وهذا بخلاف التهديد من تطور البدائل الأخرى للسيارات، لذلك هذا المقال ما هو إلا لمحة بسيطة لما يمر به هذا القطاع. والآن السؤال: هل ما زلت تجد أن فكرة حتمية تملك السيارة مناسبة أم لا؟

نقلا عن الاقتصادية