رؤى برنامج العمل لصندوق النقد الدولي

20/01/2020 0
د.صالح السلطان

أوضاع الاقتصاد العالمي محل اهتمام متزايد. السبب الجوهري تطورات قادت إلى مشكلات أضعفت النمو منذ بضعة أعوام. وخلاصة التطورات: عولمة ومديونية وتطورات تقنية. نتجت عنها نزاعات وتوترات تجارية وتزايد حماية وعولمة - مديونية عالية وفي تصاعد ومعها نوع فوضى مالية - ضعف نمو في الصناعات التــحويلية وبعــــــض الأنشــــطة الأخـــــرى - تطورات تقنية نفعت أقواما وأضرت آخرين وهي تطورات في مسار مغير تغييرا كبيرا لبنية السوق مع مرور الوقت - تراجع في نمو الإنتاجية الـــتي هــي مصدر مهــم لنمو الدخل - تزايد ثراء الأثرياء وفروق الدخل بين البشر.

تحدثت مدير عام صندوق النقد الدولي قبل أيام قليلة عن برنامج العمل الذي تبناه الصندوق في الربع الأخير من العام الماضي للتطبيق في العام الجاري. وأنتج برنامج العمل مناقشات وأوراق عمل وبحوثا، يطرح من خلالها ما يراه الصندوق حلولا أو مهدئات لتلك التطورات التي أثرت سلبا في نمو الاقتصاد العالمي، والعلاقات الاقتصادية بين الدول.

يسعى الصندوق إلى تحسين التعاون بين الدول بما يفيد الجميع. وفي هذا دخل ويدخل في مناقشة سياسات التجارة العالمية والنقود التي صنعتها التطورات التقنية. كما دخل ويدخل في تحديث أدوات الصندوق وسياساته بما يواكب التحديات التي تصنعها التغيرات والتطورات عالميا.

ما أهم ما في برنامج العمل؟
دعم صانعي السياسات في التوجه لتخفيف التوترات التجارية والمخاطر، وأعطى مزيد اهتمام للتحليلات والتوصيات الموجهة إقليميا، ووضع تحت المناقشات قضايا البنية التجارية العالمية وأمورا متعلقة بها كالعملة الرقمية وتبعات ما يسمى عبر الحدود وكذلك ما يسمى التقنية المالية Fintech. كما أعطى مزيد اهتمام لمجموعة الدول النامية ذات الدخول الأقل. وتبعا خصص لموضوع ديون هذه الدول مناقشات في هذا الشهر.

من القضايا الملحة التي يرى كثير من الناس أن قادة العالم لم يعطوها اهتماما كافيا قضية التغير المناخي. هذا الموضوع أخذ حيزا من اهتمامات برنامج العمل للصندوق.

موضوع انخفاض أسعار الفائدة ضمن برنامج العمل. هناك نوع من الفهم أن المشكلات التي تواجه الاقتصاد العالمي كانت عاملا أساسيا في حدوث هذا الانخفاض. سيخصص الصندوق في تقريره القادم عن معالم أو آفاق الاقتصاد العالمي WEO مناقشات مستفيضة حول التغير المناخي وانخفاض أسعار الفائدة.

وفيما يخص المديونية، يرغب الصندوق في زيادة تعاونه حاليا مع البنك الدولي و"مجموعة العشرين" حول موضوع المديونية العامة "الحكومية" وتبعاتها. وسيحصل مجلس إدارة الصندوق في الربيع المقبل على ما تنتهي إليه المناقشات مع "مجموعة العشرين". ويبدو أن الصندوق يرتب لمناقشة قضايا كثيرة ضمن "مجموعة العشرين". ومعلوم أنه ستعقد في بلادنا أواخر هذا العام. ونطمح أن تكون لبلادنا مساهمة فعالة في هذه المناقشات.

ما التوقعات لبرنامج الصندوق؟ هل يحقق الحد الأدنى من النجاح؟ يعتمد على مدى تحقق الأدوات المستخدمة، والتعاون العالمي نحو معالجة مشكلات العالم الاقتصادية. وهناك مثل عربي مشهور وهو "آخر الدواء الكي".

المثل يقر أن الكي دواء، لكن محاولة استخدامه للعلاج تكون أخيرة. إن تيسر دواء آخر فلا داعي للكي بل يترك. والسبب أن الكي فيه شيء من التعذيب بالنار، فلا يصار إليه إلا عند تعذر غيره.

الكلام السابق ينطبق على وصفات لصندوق النقد الدولي لمعالجة مشكلات اقتصادية حادة يعانيها العالم، وبالأخص دول تعد مريضة اقتصاديا. وقوع المشكلات تنتجه من ضمن ما تنتجه، وتتركز العوامل الداخلية في اتباع سياسات مالية حكومية ونقدية لا تتناسب مع موارد الدولة، ما يتسبب في مديونيات حكومية عالية جدا.

أما العوامل الخارجية فمن أسبابها الصدمات التي تراوح بين الكوارث الطبيعية والتقلبات الكبيرة في أسعار السلع الأولية. وتزداد المشكلة مع العولمة. والمشكلة يمكن أن تصل إلى دول أخرى غير مريضة اقتصاديا، لكنها تتضرر من أزمات اقتصادية في دول أخرى.

يعمل الصندوق على مساعدة الدول المصابة بأزمات اقتصادية بتقديم دعم مالي وقتي، مشروط بتنفيذ سياسات يراها الصندوق تصحيحية، كتخفيض الإنفاق الحكومي لتقليل مستوى المديونية الحكومية. لكن الناس لا تحب هذه التوصيات. وقد زاد شعور وتفهم خبراء الصندوق لهذا. ومن ثم زادت توجهات الصندوق نحو تطبيق قاعدة "آخر الدواء الكي". تخفيض الإنفاق الحكومي مطلب مؤكد. لكن كيف؟ هنا تختلف الأنظار.

مطلوب من برنامج العمل تطوير مراجعة أعمق لعملية تخفيض الإنفاق. مطلوب تقديم تمويل ينتج تصحيحا في الاقتصاد بصورة متدرجة، وليس بهرولة. نقول ذلك رغم أن أكثر الناس بطبيعتهم هلوعون. مطلوب النظر في استثمار وتشغيل أصول يمكن الاعتماد عليها بصورة أكبر بما يساعد على تخفيف المديونية والعجز. كما ينبغي أن تظهر الدول الأغنى مزيد اهتمام ودعما للصندوق في تطبيق سياسات موجهة من الصندوق للدول منخفضة الدخل.

 نقلا عن الاقتصادية