في سبيل استمرار عمليات الإصلاح الإداري والتنظيمي في المملكة من أجل تمكين وحوكمة أجهزة القطاع العام، صدر أمر ملكي كريم بدمج الأجهزة الرقابية: هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تحت مسمى "هيئة الرقابة ومكافحة الفساد" لتتولى مهام مكافحة الفساد، وتعزيز النزاهة، ورعاية الشفافية والعدالة، والمساءلة.
مرت عمليات الكشف والتحقيق عن الممارسات المشبوهة بحدث فساد إداري أو مالي في المملكة بعدد من المراحل. وتعددت الأجهزة الممارسة لذلك، وتكررت الجهود فيما بينها. لتسبب هدرا في المال والجهد. وأصبحت كل جهة لها ثقافتها الخاصة وممارساتها المختلفة. إضافة إلى وجود فارق كبير بين الجهات المتعددة من حيث الكادر الوظيفي، ونظام الحوافز والتأهيل والتدريب. كل هذه الأمور أوجدت الحاجة إلى ضرورة دمج هذه الجهات وإعادة إصلاحها لتواكب طموحات القيادة في رعاية مسيرة التطوير والإصلاح وتحقيق "رؤية المملكة 2030".
عرفت منظمة الشفافية الدولية TI الفساد بأنه إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة، ويمكن أن يصنف حجمه على قدر المصالح المحققة وحسب أهمية القطاع الذي حدث فيه، كما يعرف بأنه انعدام المصداقية أو الاستخدام غير الأخلاقي للسلطة الموكلة لشخص ما في تحقيق مكاسب خاصة. هيئة الرقابة ومكافحة الفساد "الجديدة" ستكون مسؤولة عن محاربة الفساد وتوحيد الجهود في سبيل ذلك.
كما أن هذا الجهاز سيتقاطع مع كل من "الديوان العام للمحاسبة" ذي الاختصاص المالي، و"إدارات المراجعة الداخلية" داخل الجهات الحكومية. ولا بد من إيضاح آليات الفصل بين المهام والصلاحيات بين تلك الجهات لتحقيق فاعلية أكبر في هذا الخصوص.
مرت عمليات تطوير جهاز التحقيق في المملكة بمراحل حتى أصبحت أكثر ملاءمة لتحقيق العدالة ورعايتها بين كل الأطراف إقرارا لمبدأ سيادة القانون. وتعرف سيادة القانون وفقا للأمم المتحدة بأنها "مبدأ للحوكمة يكون فيه جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات، العامة والخاصة، بما في ذلك الدولة ذاتها، مسؤولين أمام قوانين صادرة علنا، وتطبق على الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل، وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. ويقتضي هذا المبدأ كذلك اتخاذ تدابير لكفالة الالتزام بمبادئ سيادة القانون، والمساواة أمام القانون، والمساءلة أمام القانون، والعدل في تطبيق القانون، والفصل بين السلطات، والمشاركة في صنع القرار، واليقين القانوني، وتجنب التعسف، والشفافية الإجرائية والقانونية".
أمام الهيئة الجديدة وجهات التنظيم الإداري والقانوني في المملكة مهام جسام لتحقيق العدالة والنزاهة وحمايتهما. وذلك من خلال صياغة نظام واضح للهيئة، وفصل السلطات، وتحقيق النزاهة والعدالة للجميع وحفظ حقوق أصحاب المصالح، والاستناد إلى نظام قضائي مستقل يتيح عدالة التقاضي والكشف عن ممارسات الفساد. كما أن ذلك محفز رئيس لاستكمال إجراءات التطوير والتنظيم الإداري وحوكمة القطاع العام، وتحديث الأنظمة والممارسات بما يكفل وضوح الإجراءات والسياسات والصلاحيات ويساعد العاملين على تحقيق النزاهة. ومن الجيد إيضاح التقاطعات ونقاط الالتقاء بين النظام الجديد والأجهزة والوحدات الرقابية القائمة. ومنح إدارات المراجعة الداخلية صلاحياتها وتمكينها للعمل من أجل تعزيز النزاهة وتطبيق القانون. ومواءمة آليات العمل في القطاع العام مع ما وصلت إليه تقنيات الرقابة المالية في القطاع الخاص للاستفادة من الاستقلالية والتطور الحاصلين.
نقلا عن الاقتصادية