السيدة أرامكو السعودية والسيد المؤشر العام السعودي

01/12/2019 1
مساعد بن حريب

حينما بدأ الحديث يقترب عن اكتتاب تاج الاقتصاد السعودي شركة أرامكو، كنت في زيارة إلى جمع من الأحبة الكرام، وكان تبادل الآراء الساخنة في أوجه، حتى إني أخذت دور المستمع فترة لا بأس بها من الوقت، مما أدهشني تناقل ما ينشر من أخبار من وسائل التواصل الاجتماعي واعتمادها كمصادر رسمية، وما بين مؤيد ومعارض، وكثرة لا بأس بها من المتشائمين، حتى نفض غبار ذلك الجمع أحد الزوار الدائمين قادماً إلينا، وبعد أن بادر بالسلام، ولمس جنبات الموضوع وابتدأ مبتسماً، وهو لا ينتمي لأهل الاقتصاد بشبر من القرب، وحينما أخذ مكانه في المجلس، ولمست في وجنتيه الحماس في إبداء رأيه، قال حازماً بفطرته المعهودة:

 إذا لم أكتتب في الشركة التي تصدر النفط فبماذا أكتتب إذن!!؟؟ 

حقيقة هذا الاجتماع وغيره من الاجتماعات التي تشرفت بحضورها، التي سبقت ورافقت اكتتاب أرامكو السعودية، وهذا الرد الحاسم الذي أوقف الجمع برهة من الوقت!!، مضافاً إليها حجم الخبرات السابقة التي ينصقل عليها ابن آدم على مر السنين، تجعلني أطرح التساؤل المشروع عن ماهية السلوك النفسي للمتعاملين في الأسواق المالية وتأثيره على قراراتهم الاستثمارية؟، وكيفية قياس هذا السلوك؟، ما بين الطمع والخوف!! لاتخاذ القرارات المناسبة بناء على هذين النقيضين.

 إن الأخبار على اختلاف مصادرها وموثوقيتها، لانفتاح سرعة تبادل المعلومات بين العالم بالوقت الراهن، ينبغي أن لا يتم التعامل معها بشكل عابر، بل على المستثمر الحذق أن يقوم بتحليل الخبر، وأن لا يضع قراراته الاستثمارية بما تتناقله المجالس العامة، وأن يتسلح بالقراءة والاطلاع، خصوصاً وأن جلب المعلومة سهل كاحتساء كوب من الشاي، وأن يقوم بقراءة جميع البيانات والمستجدات اليومية والأسبوعية والشهرية، وأن يتعامل معها بشكل مشابه لتعامله مع القراءة الفنية، والقراءة المالية، والقراءة الزمنية، والتاريخية للأسواق، فالأخبار تكون مؤشرا لسلوك ما قادم.

إن الفوائد المتعددة التي ستجنيها المملكة العربية السعودية من طرح شركة أرامكو للاكتتاب العام الداخلي والخارجي متنوعة وعديدة، وقد أشبع الكثير من الكتاب الاقتصاديين على مختلف مشاربهم، شغفنا في الحديث عن ذلك، ولذلك أسعى من خلال هذا الطرح، أن أقتصر بتحليل هذا العرس الجميل، وتأثيره المستقبلي على سلوك مؤشر سوق الأسهم السعودي.

اتجاه أسعار النفط واتجاه سهم أرامكو السعري: - 

من المعلوم للجميع أن هنالك فرقا شاسعا بين القيمة العادلة للأسهم عامة والتي تتحقق بين قياس الوضع المالي للشركة والمتوقع لخمس سنوات قادمة على الأقل وأهداف المستثمر بناء على العائد المتوقع، وبين قيمة الأسهم في الأسواق المالية والتي تخضع لعمليات العرض والطلب يضاف إليها تأثير الموجات الداخلية الصاعدة القوية التي تحدث في الأسواق والتي تكون السيولة النقدية هي المحرك القوي لها وبذلك تؤثر بشكل كبير على اتجاه الأسعار، وينبغي أن لا نغفل الاستقرار السعري للنفط على المدى المتوسط والطويل وليس الفترات القريبة، على استقرار سعر السهم في السوق المالي، فالتأثير النفسي للمتداولين في حالات التذبذبات السعرية للنفط سيكون ملازما إلى حد طفيف على الاتجاه السعري للسهم.

 ولقياس هذا التأثير تاريخياً قمت بمتابعة سلوك سهم Shell، التي تعتبر ثاني أكبر شركة طاقة مدرجة في الأسواق المالية العالمية في الوقت الراهن، والتي تعطينا إشارة مبسطة على تأثير حركة الأسعار في الأسواق المالية مقارنة بحركة أسعار النفط. 


المقارنة بين سهم Shell وأسعار النفط ما بين 2008 – 2014 م 

•انحرفت أسعار النفط عام 2008 في اتجاه هابط من مستويات قريبة من 147 دولارا – رافق ذلك اتجاه سهم Shell لسلوك مشابه.

•حققت أسعار النفط قاعها بشهر نوفمبر – 2008 – عند مستويات 36 دولارا -رافق ذلك تحقيق سهم Shell قاعه في بدايات 2009 م 

•حققت أسعار النفط القمة الرئيسية بالعام 2012 – 128 دولارا – لم يستطع سهم Shell تجاوز المناطق السعرية التي حققت بالعام 2012 إلا بنهايات موجة صعود النفط بالعام 2014 م .

تأثير أسعار النفط على حركة مؤشر سوق الأسهم السعودي: -

هنالك لغط لدى العديد من المتعاملين مع السوق المالي ومفاده أنه في معزل عن تأثير حركة أسعار النفط وبأن ما يشاع حول هذا التأثير لا يتعدى كونه إشاعات مغرضة هدفها التأثير على نفسيات المتداولين، قد يكون بعض ذلك به شيء من الصحة، ولكن جميع المعطيات والدلائل لجميع القطاعات بدون استثناء المؤثرة في حركة المؤشر العام، تؤكد أن أسعار النفط توثر بشكل مباشر على رسم خارطة المؤشر العام لسوق الأسهم السعودي على المستوى المتوسط والبعيد وليس اليومي.

حركة مؤشر سوق الأسهم السعودي من عام 2008م إلى عام 2014 م: -

مقارنة ما بين سلوك مؤشر سوق الأسهم السعودي مع سلوك النفط ما بين عام 2008 م إلى عام 2014 م: -

•تحققت قمة المؤشر العام عند 11963 نقطة في العام 2008 م، وحقق النفط أعلى مستويات 147 عام 2008.

•النفط حقق قمته في الشهر السابع من العام 2008 م، رافق ذلك تحقيق شركة سابك خلال تسع أشهر من العام ذاته أعلى أرباح فصلية تجاوزت 21 مليارا بفضل ارتفاع أسعار النفط الذي يعتبر من العوامل المؤثرة على بعض منتجات البتروكيماويات.

•حدوث أزمة اقتصادية في أنصاف العام 2008 مما أدى إلى حدوث ارتباك في أسواق النفط والأسواق المالية في العالم نتج عنه عمليات هبوط حادة، تأثرت بها جميع أسواق العالم إلى مستويات زمنية ما بين عام 2008 م – 2009 م، وتشابه أيضا هبوط أسعار النفط إلى مستويات مماثلة زمنياً وحققت شركة سابك أول خسارة ربعية في تاريخها.

•في العام 2012 م كما هو موضح في الصورة المرفقة حقق النفط أعلى رقم سعري ما بين عام 2008 م إلى 2014 م، وترافق في ذلك العام تحقيق السوق المالي أعلى سيولة يومية متداولة كما موضح في الجدول بلغت أعلى من 21 مليار ريال، والتي لم يستطع تجاوزها إلى قمته 11159 نقطة المحققة بالعام 2014م 

أريد إضافة نقطة جوهرية هي أن سلوك النفط السعري أخذ في الاستقرار من بعد تحقيق قمته السعرية 128 بالعام 2012 م بدون أي قدرة على تحقيق قمم أعلى، واستمر هذا الاستقرار إلى عام 2014 م، وهذا الاستقرار سمح لمؤشر سوق الأسهم السعودي بتحقيق قفزات رائعة حتى عام 2014 م .

هل التاريخ يعيد نفسه في الأسواق المالية؟: -

دعوني أعترف بضيق جنبات هذا الطرح لاستيعاب إجابة هذا التساؤل!، والذي سأحاول جاهداً أن أتحدث به بشكل مفصل في مواضع أخرى. 

ولكني لمست في حديث الكثير من المتعاملين في الأسواق المالية مثل هذه القواعد، ومنها قاعدة "التاريخ يعيد نفسه" التي ينبغي دراستها بشكل محايد، وبعيدا عن كل العواطف، وبين هذا الفريق المؤيد لمثل هذه القواعد السوقية، وبين الفريق الآخر الذي يعتبر ذلك أموراً لا واقع لها، أجد نفسي واضعاً السلوك الحركي التاريخي للأسواق هو الترمومتر الحقيقي للإجابة الصامتة، التي يلتقط مفرداتها من هم على دراية تامة بدهاليز السطور.

حركة المؤشر العام للأسهم السعودية ما بين شهر أكتوبر 2001 حتى شهر نوفمبر 2002



•في الشارة مع الجدول المرفق نشاهد صعود المؤشر من شهر " أكتوبر " 2206 نقطة حتى شهر " مايو " 2927 نقطة بعد ذلك دخلنا في موجة تصحيحية حتى شهر " نوفمبر " 2410 نقاط.

•مرحلة الصعود التي بدأت في شهر أكتوبر 2001م وانتهت في شهر مايو 2002 م استغرقت زمنياً ما يقارب 167 يوم تداول.

•فقدت موجة التصحيح تلك من القمة الموضحة " بإغلاق " 2927 نقطة حتى القاع الموضح "بإغلاق " بنسبة لا تزيد عن 25 % وهي نسبة التصحيح الطبيعية في الأسواق الصاعدة.

•بعد أن أفاق المؤشر العام من موجة التصحيح الشهيرة والطويلة زمنياً تلك، بدأ رحلته في موجة صاعدة طويلة نسبياً لم تنته إلا بالعام 2006 م عند مستويات 20960 نقطة.

حركة المؤشر العام للأسهم السعودية ما بين شهر مايو 2009 حتى طرح هذا التقرير 


•في الشارة مع الجدول المرفق نشاهد صعود المؤشر من شهر " أكتوبر " 7266 نقطة حتى شهر " مايو " 9361 نقطة بعد ذلك دخلنا في موجة تصحيحية ولا زلنا إلى الآن نراقب اتجاه المؤشر العام. وبالمناسبة تعتبر في صعودها وهبوطها وتسلسلها الزمني بشكل مقارب لما كان عليه الحال عام 2002 م .

•استمرت موجة التصحيح ما يزيد عن سبعة أشهر تقريباً، وهي مدة متقاربة مع العام 2002 م.

•فقدت موجة التصحيح الحالية من القمة الموضحة " بإغلاق " 9361 نقطة حتى الآن نسبة لا تزيد عن 25 % وهي نسبة التصحيح الطبيعية في الأسواق الصاعدة.

لا يعني حدوث تشابه في ولادة الموجات الصاعدة أو التصحيحية للأسواق على فترات زمنية، بأي حال من الأحوال حدوث نفس المتغيرات السابقة، ولكنها قابلة للحدوث وقابلة لغيره على أي حال، ولذلك أحببت الدمج في هذا المقال ما بين متغيرات عديدة، خصوصاً ونحن على مشارف استقبال عرس من نوع خاص، نتمنى لسوقنا ولجميع المتعاملين به التوفيق.

إخلاء المسؤولية .... أود لفت الانتباه إلى أن هذا القراءة تعتبر تثقيفية وتوعوية فقط لا غير ولا يعتد بها كتوصية تعامل في أي ورقة مالية أو اتخاذ أي قرار استثماري...

كما يعتبر أي تعامل في أي ورقة مالية يتخذه القارئ بناء على هذا القراءة سواء كان كلياً أو جزئياً هو مسؤوليته الكاملة وحده، فليس الهدف من هذا الطرح أن يستخدم أو يعتبر مشورة أو خيارا أو أي إجراء آخر يمكن أن يتحقق مستقبلا. لذلك فأنا أنصح بالرجوع إلى مستشار استثماري مؤهل قبل الاستثمار في أي ورقة مالية.

والله أعلى وأعلم

خاص_الفابيتا