قبل التوسع في الحديث عن المقصود بتفويض "التوطين" للأجهزة الحكومية، حسب القطاعات والنشاطات الاقتصادية التي تعمل تحت إشراف ورقابة كل جهاز حكومي، جدير أن أستعرض في عجالة سريعة النجاح الباهر الذي تحقق لهذه المنهجية المقترحة هنا. المتمثلة في تجربة مؤسسة النقد العربي السعودي في قطاع التأمين، التي بدأت في أبريل 2017 وسرعان ما آتت ثمارها الإيجابية جدا خلال أقل من عامين فقط، ولا تزال نتائج تلك التجربة تتصاعد عاما بعد عام.
واجهت مؤسسة النقد عديدا من التحديات الكبيرة والواسعة في قطاع التأمين، كان منها المتعلق بتضعضع معدل التوطين بشكل عام، والانخفاض الواضح في توطين المناصب القيادية والتنفيذية في عموم شركات قطاع التأمين. كل هذا دفع بمؤسسة النقد إلى إقرار عديد من السياسات والبرامج الهادفة إلى معالجة أوضاع القطاع، ومن ضمنها معالجة تشوهات حالة التوطين، فعملت على تنفيذ برامج للتوطين، وأخذت في حسبانها الضرورة القصوى بزيادة توطين المناصب القيادية والتنفيذية في شركات التأمين، فلا يمكن اكتمال تعيين أي مسؤول في تلك المناصب والمواقع الوظيفية إلا بعد أخذ الموافقة النهائية من مؤسسة النقد، فكيف جاءت النتائج وفق هذه المنهجية الفعالة من المؤسسة؟
لقد أثمرت عن ارتفاع معدل التوطين من 55 في المائة بنهاية 2016، إلى أعلى من 72 في المائة بنهاية 2018، وارتفاع معدل توطين المناصب القيادية والتنفيذية من 27 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 55 في المائة بنهاية 2018، وانخفضت مقابل ذلك سيطرة العمالة الوافدة على تلك المناصب من 73 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 45 في المائة بنهاية 2018، ويتوقع في ظل استمرار تلك المنهجية أن تستمر النتائج الإيجابية في تحقيق مزيد من التحسن الملموس على أرض الواقع.
وفي الوقت الذي لا يتجاوز خلاله نسبة إجمالي العمالة في قطاع التأمين إلى إجمالي العمالة في القطاع الخاص نسبة 0.1 في المائة، ما يحد كثيرا من رؤية تلك النتائج الإيجابية المتحققة، وما يؤكد الأهمية القصوى لتوسيع دائرة تنفيذ تجربة تلك البرامج والعمل بها على نطاق أوسع، لتشمل عموم نشاطات وقطاعات الاقتصاد الأخرى، التي لو قدر لها تكرار تلك التجربة الناجحة جدا في قطاع التأمين، لشهدنا جميعا نتائج غير مسبوقة على مستوى مواجهة تحدي البطالة بين صفوف المواطنين والمواطنات، وتؤكد في الوقت ذاته أهمية أن تتسلح برامج التوطين الراهنة، بإقرار برامج توطين أكثر صرامة للمناصب القيادية والتنفيذية في مختلف منشآت القطاع الخاص، إضافة إلى إقرار منهجية للتوطين تأخذ في الحسبان حجم المنشآت والمجال أو النشاط الذي تعمل فيه، حيث تتمتع المنشآت الكبرى وهي بالآلاف في قطاعنا الخاص بقدرات أكبر وأوسع على امتصاص مئات الآلاف من العاطلين والعاطلات، وتوفير فرص العمل الملائمة لهم من عدة اعتبارات، في مقدمة تلك الاعتبارات عوامل التأهيل والخبرة والأجور الشهرية المجزية جدا، التي بسبب قصور أو ضعف برامج التوطين الراهنة، وجدنا الوظائف الملائمة تذهب بسهولة إلى العمالة الوافدة، في الوقت ذاته أصبحت في منأى عن أغلب الباحثين عنها من المواطنين والمواطنات.
بل زاد من التحدي في هذا الخصوص؛ أن برامج التوطين الراهنة لم تتمكن إلا من فتح الفرص أمام المواطنين والمواطنات، بتركيزها في الأغلب على الوظائف الأدنى دخلا وتأهيلا، وهو ما زاد من فجوة التوظيف أو التوطين بصورة كبيرة، وأبقى معدل البطالة في مستوياته المرتفعة الراهنة، وفي الوقت ذاته لم يجد أغلب الأطراف استفادة مستحقة من مغادرة نحو ثلاثة ملايين عامل وافد خلال الأعوام الأخيرة.
سيكون جديا جدا أمام وزارة العمل، أن تقوم بتفويض أجزاء كبيرة من مهام ومسؤوليات التوطين إلى بقية الأجهزة الحكومية، كل حسب النشاط أو القطاع الذي يخضع له، فالقطاعان المالي والاستثماري لدينا -على سبيل المثال - يخضعان لكل من مؤسسة النقد وهيئة السوق المالية، والقطاع الصحي يخضع لوزارة الصحة، وقطاع التعليم العام والعالي يخضع لوزارة التعليم، وهكذا بقية القطاعات والنشاطات الاقتصادية التي متى وجدت اتباعا صارما للمنهجية ذاتها التي عملت بها مؤسسة النقد العربي السعودي، فإن النتائج الإيجابية المنتظرة والمأمولة، ستأتي مترجمة على أرض الواقع، وملبية بدرجة عالية لتطلعات وأهداف برامج التوطين، والتجربة لدينا أكبر شاهد ودليل ممثلا في تجربة مؤسسة النقد مع قطاع التأمين. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
واجهت مؤسسة النقد عديدا من التحديات الكبيرة والواسعة في قطاع التأمين، كان منها المتعلق بتضعضع معدل التوطين بشكل عام، والانخفاض الواضح في توطين المناصب القيادية والتنفيذية في عموم شركات قطاع التأمين. كل هذا دفع بمؤسسة النقد إلى إقرار عديد من السياسات والبرامج الهادفة إلى معالجة أوضاع القطاع، ومن ضمنها معالجة تشوهات حالة التوطين، فعملت على تنفيذ برامج للتوطين، وأخذت في حسبانها الضرورة القصوى بزيادة توطين المناصب القيادية والتنفيذية في شركات التأمين، فلا يمكن اكتمال تعيين أي مسؤول في تلك المناصب والمواقع الوظيفية إلا بعد أخذ الموافقة النهائية من مؤسسة النقد، فكيف جاءت النتائج وفق هذه المنهجية الفعالة من المؤسسة؟
لقد أثمرت عن ارتفاع معدل التوطين من 55 في المائة بنهاية 2016، إلى أعلى من 72 في المائة بنهاية 2018، وارتفاع معدل توطين المناصب القيادية والتنفيذية من 27 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 55 في المائة بنهاية 2018، وانخفضت مقابل ذلك سيطرة العمالة الوافدة على تلك المناصب من 73 في المائة بنهاية 2016، إلى نحو 45 في المائة بنهاية 2018، ويتوقع في ظل استمرار تلك المنهجية أن تستمر النتائج الإيجابية في تحقيق مزيد من التحسن الملموس على أرض الواقع.
وفي الوقت الذي لا يتجاوز خلاله نسبة إجمالي العمالة في قطاع التأمين إلى إجمالي العمالة في القطاع الخاص نسبة 0.1 في المائة، ما يحد كثيرا من رؤية تلك النتائج الإيجابية المتحققة، وما يؤكد الأهمية القصوى لتوسيع دائرة تنفيذ تجربة تلك البرامج والعمل بها على نطاق أوسع، لتشمل عموم نشاطات وقطاعات الاقتصاد الأخرى، التي لو قدر لها تكرار تلك التجربة الناجحة جدا في قطاع التأمين، لشهدنا جميعا نتائج غير مسبوقة على مستوى مواجهة تحدي البطالة بين صفوف المواطنين والمواطنات، وتؤكد في الوقت ذاته أهمية أن تتسلح برامج التوطين الراهنة، بإقرار برامج توطين أكثر صرامة للمناصب القيادية والتنفيذية في مختلف منشآت القطاع الخاص، إضافة إلى إقرار منهجية للتوطين تأخذ في الحسبان حجم المنشآت والمجال أو النشاط الذي تعمل فيه، حيث تتمتع المنشآت الكبرى وهي بالآلاف في قطاعنا الخاص بقدرات أكبر وأوسع على امتصاص مئات الآلاف من العاطلين والعاطلات، وتوفير فرص العمل الملائمة لهم من عدة اعتبارات، في مقدمة تلك الاعتبارات عوامل التأهيل والخبرة والأجور الشهرية المجزية جدا، التي بسبب قصور أو ضعف برامج التوطين الراهنة، وجدنا الوظائف الملائمة تذهب بسهولة إلى العمالة الوافدة، في الوقت ذاته أصبحت في منأى عن أغلب الباحثين عنها من المواطنين والمواطنات.
بل زاد من التحدي في هذا الخصوص؛ أن برامج التوطين الراهنة لم تتمكن إلا من فتح الفرص أمام المواطنين والمواطنات، بتركيزها في الأغلب على الوظائف الأدنى دخلا وتأهيلا، وهو ما زاد من فجوة التوظيف أو التوطين بصورة كبيرة، وأبقى معدل البطالة في مستوياته المرتفعة الراهنة، وفي الوقت ذاته لم يجد أغلب الأطراف استفادة مستحقة من مغادرة نحو ثلاثة ملايين عامل وافد خلال الأعوام الأخيرة.
سيكون جديا جدا أمام وزارة العمل، أن تقوم بتفويض أجزاء كبيرة من مهام ومسؤوليات التوطين إلى بقية الأجهزة الحكومية، كل حسب النشاط أو القطاع الذي يخضع له، فالقطاعان المالي والاستثماري لدينا -على سبيل المثال - يخضعان لكل من مؤسسة النقد وهيئة السوق المالية، والقطاع الصحي يخضع لوزارة الصحة، وقطاع التعليم العام والعالي يخضع لوزارة التعليم، وهكذا بقية القطاعات والنشاطات الاقتصادية التي متى وجدت اتباعا صارما للمنهجية ذاتها التي عملت بها مؤسسة النقد العربي السعودي، فإن النتائج الإيجابية المنتظرة والمأمولة، ستأتي مترجمة على أرض الواقع، وملبية بدرجة عالية لتطلعات وأهداف برامج التوطين، والتجربة لدينا أكبر شاهد ودليل ممثلا في تجربة مؤسسة النقد مع قطاع التأمين. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية