حوكمة القطاع العام أو المؤسسات الحكومية تواكب التطور الحاصل في أساليب الإدارة والرقابة وتهدف إلى تحقيق الكفاءة والفاعلية والنزاهة. حيث إن تطبيق الحوكمة يعد سدا منيعا ضد الفساد، وتركز أدوات الحوكمة من أجل تضييق الخناق على الفساد، على الاهتمام بوجود الأنظمة المحدثة، والشفافية والإفصاح فيما ينشر من تقارير، والعدالة، والمحاسبة، والمساءلة. وهذا جزء من المفاهيم والمصطلحات التي تهتم بها الحوكمة في القطاع العام، وتعد أدوات ومؤشرات على تطبيق الإدارة الرشيدة "الحوكمة" في القطاعات المختلفة.
دوليا زاد الاهتمام بتطبيق الحوكمة في مؤسسات القطاع العام وقدم البنك الدولي The World Bank Group مبادرة المؤشر العالمي للحوكمة The Worldwide Governance Indicators WGI، مركزا على ستة محاور تشمل المشاركة والمساءلة Voice and Accountability، والاستقرار السياسي وغياب العنفPolitical Stability and Absence of Violence، وفاعلية الحكومة Government Effectiveness، وجودة التنظيمات والتشريعات Regulatory Quality، وسيادة القانون Rule of Law، والسيطرة على الفساد Control of Corruption. المؤشر الآخر هو مؤشر الحوكمة Governance الصادر ضمن مؤشر الازدهار من معهد ليجاتوم البريطاني، ويقيس الحوكمة من خلال ثلاثة محاور تشمل: الحوكمة الفعالة Effective governance، والديمقراطية والمشاركة السياسية Democracy and political participation، وسيادة القانون The rule of law.
في المملكة تجربة تطبيق وتطوير حوكمة القطاع العام مرت بحالتين الأولى اهتمام رسمي على صعيد عال لتبني مفاهيم الحوكمة وتطبيقاتها من أجل تحسين مستوى أعمال الحكومة وتحقيق الكفاءة والفاعلية وتعزيز النزاهة ومحاربة الفساد، هذه المرحلة أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتساير "رؤية المملكة 2030" وتكون إحدى أدوات إنجاح التحول الوطني والمسير نحو "رؤية المملكة المستقبلية". الحالة الثانية تتمثل في فهم واستيعاب مفاهيم الحوكمة وممارساتها من قبل الجهات الحكومية نفسها، وتطوير الأنظمة والتشريعات بما يتناسب مع المرحلة ومواكبة التحديثات من أجل الوصول إلى مستوى متقدم يواكب الطموحات المرسومة في "رؤية المملكة 2030". وهنا أعتقد أن مفهوم الحوكمة وممارساته ما يزال يتطلب كفاءة عالية. ولهذا نرى ممارسات يغلب عليها عدم الاختصاص أو ضعف التطبيقات.
ما زال مفهوم الحوكمة في القطاع العام "الإدارة الرشيدة" يحتاج إلى العمل على تطوير أنظمته وتشريعاته مع كل الجهات، نجد بعض المبادرات لتبني وتطوير معايير الحوكمة في القطاع العام من جهات ليست ذات اختصاص مباشر بالتشريع، وهذا قد يؤدي إلى وجود تشريعات مضللة أو ضعيفة تظهر نتائجها بعد زمن ويصبح تطويرها أو معالجتها ذا تكلفة عالية.
إذا أردنا تطبيق حوكمة القطاع العام بشكل يحقق الأهداف ويلبي الطموحات، يجب أن تكون مفاهيم وآليات الحوكمة مكتملة ومتكاملة، ولا يكتفى بجزء بسيط ويعتقد أنها تكفي عن الكل. ويجب أيضا أن تسند هذه المهمة إلى جهاز رشيق وحديث حتى يتجرد من الممارسات والخبرات المتراكمة بشكل يتعارض مع مبادئ وتطبيقات الحوكمة. كما يجب أن تعطى مراكز البحوث والجامعات دورا في إعداد الدراسات وجلب التطبيقات العالمية ذات الأثر الإيجابي. حوكمة القطاع العام تعني وجود جهاز مركزي لمواءمة التشريعات والتنظيمات الداخلية، تفعيل أدوات الحوكمة وأهمها إدارة الرقابة والمراجعة الداخلية، تنمية الحدس الاستشرافي من خلال بناء قاعدة المخاطر وتقييمها ورفع مستوى التجهز للتفاعل مع أي خطر حال حدوثه، من خلال جهاز يستطيع التفاعل وإدارة كل الأذرع المساندة لتحقيق الأهداف.
نقلا عن الاقتصادية