في مقال اليوم سوف نجيب على السؤال العويص، وهو لماذا يتم بيع البترول بالدولار الأميركي؟. لكن يجب أن نعرف أن الدولار ليس هو فقط واسطة التبادل (أي العملة) التي يتم دفعها كثمن مقابل شراء البترول. بل الدولار هو أيضاً المستودع لقيمة برميل البترول (أي كم دولار يساوي البرميل)، حيث يظهر سعر البرميل بالدولار الأميركي على شاشات العرض في البورصات العالمية (سواء كان البترول الروسي، أو بترول برنت البريطاني، أو بترول دول أوبك، أو حتى بترول براميل الورق) وليس بأي عُملة أخرى.
دور البترول في النظام الاقتصادي للعالم: سوق البترول فريد لا يوجد له مثيل في التاريخ ولا حتى دور الذهب في عصر المركانتالية. وهو ضخم يحظى بنصيب الأسد في حجم المعاملات التجارية والمالية بين الدول. ويتكون سوق البترول من أكثر من أربعين دولة (معظمهم الدول النامية) يعتمدون على دخل بيع بترولهم في السوق لتمويل ميزانياتهم. وكذلك يوجد أكثر من أربعين دولة (جميع الدول الصناعية) يعتمدون في تقدمهم الصناعي على شراء البترول بكثافة من السوق العالمي للبترول.
هذا الدور الفريد الذي يلعبه البترول كأساس يقوم عليه الاقتصاد العالمي بأجمعه، يتطلب أن يكون سوق البترول مُستقراً وآمناً يتم التعامل فيه بين البائعين والمشترين بوضوح، وشفافية، وثقة متبادلة تضمن الحقوق الكاملة للطرفين. من أجل تحقيق هذه المتطلبات لسوق البترول ينبغي أن نوفر الآليات التي تُحقق هذا الهدف المشترك لسكان كوكبنا الأرض. أهم هذه الآليات الضرورية لاستقرار سوق البترول وجود أداتين هما:
أولاً: وجود أداة للتبادل يدفعها المشتري ثمناً لبترول البائع. تكون مقبولة عالمياً بالإجماع كأداة لشراء سلة معينة من السلع والخدمات من أي سوق في العالم بقيمة مستقرة (أي لا تتآكل قوتها الشرائية بالتضخم، أو الرفض، أو التخفيض في المدى المنظور).
ثانياً: وجود أداة للقياس باتفاق العالم (المشترين والبائعين) بأن تكون هذه الأداة معياراً مُوحداً تُقاس عليه قيمة برميل البترول باختلاف أنواع البترول ومصدره (حيث يوجد مئات أنواع البترول).
هاتان الخاصتان تتوفران في الدولار. ولا يوجد في الوقت الحالي أي عملة (أو أداة) أخرى تتوفر فيها هاتان الخاصتان يُمكنها أن تؤدي نفس الدور الذي يؤديه الدولار لتحقيق الاستقرار في سوق البترول.
الخلاصة: واضح أن وجود أداة تقوم بالدور المزدوج كوسيط للتبادل ومستودع للقيمة ضروري لا يمكن دونها تحقيق الاستقرار لسوق البترول. هذه الحقيقة اكتشفها العالم بالإجماع منذ بداية السبعينات، ولم يكن يوجد حينذاك أي أداة تحقق هذا الهدف المزدوج غير الدولار، أي أن اختيار الدولار ليس صحيحاً - كما يُشاع - بأنه مفروض على أوبك العميقة، وإنما استخدام الدولار كوسيط لبيع البترول يفرضه الواقع لنظام العالم المالي.
الأسبوع المقبل - إن شاء الله - سنناقش إمكانية إيجاد البديل للدولار.
نقلا عن الرياض
مقال رائع وننتظر الجزء الاهم