بدأنا الحديث في المقال السابق حول موضوع الدور المنوط بالجامعات للمساهمة في عملية التنمية المستدامة، وعرضنا أهم المؤشرات لقياس تلك الأدوار ومدى التقدم فيها، في هذا المقال نكمل الموضوع حول أهم الآثار الاقتصادية والتنموية من تأسيس وإنشاء الجامعات وقيامها بأدوارها الرئيسية.
التوظيف وتطوير الموارد البشرية:
تساهم الجامعات بتطوير العنصر البشري وذلك بإكسابه المعلومات والمهارات اللازمة لشغل الوظائف المتاحة والشاغرة في قطاع الأعمال والقطاع الحكومي، وكذلك المساهمة في رفع خبرات ومهارات العاملين بتلك القطاعات، وذلك من خلال التعليم وتقديم الدورات والمؤتمرات العلمية، فهي بالتالي مساهم أساسي في عملية التوظيف وتزويد سوق العمل بالكوادر اللازمة، وكذلك رفع كفاءته.
كما تقوم الجامعات نفسها بالإسهام في عملية التوظيف، فالجامعات توفر في المجمل عدد كبير من الوظائف ما بين أكاديميين وإداريين، يساهمون في الحركة التعليمية وكذلك خدمة المستفيدين من الجامعات من طلاب وباحثين، مما يسهم في تخفيض مستوى البطالة بشكل عام.
الإسهام في التطوير والابتكار:
ومن أهم الأعمال التي تقوم بها الجامعات في العقود الأخيرة هي عملية إمداد السوق بالعديد من الابتكارات والمشاريع الريادية والتقنية وذلك من خلال حاضنات الأعمال ومراكز الاختراع. فمراكز الأعمال والابتكار بالجامعات، تقوم بعملية احتضان المشاريع النوعية، والابتكارات، وتحويلها إلى مشاريع ومنتجات تجارية تنافس في السوق وتخلق قيمة مضافة للاقتصاد.
كما تساهم الجامعات من خلال الأبحاث والتجارب العلمية وكذلك عن طريق المؤتمرات والاستشارات التي تقدمها من تحسين أداء قطاع الأعمال والقطاع الحكومي، وتعزيز الناتج المحلي بشكل غير مباشر، فبحسب منظمة (AUTM) الأمريكية، ساهمت الجامعات الأمريكية في مجال البحث العلمي في إضافة ما مقداره 1.7 تريليون دولار إلى إجمالي الإنتاج الاقتصادي (Gross Output) منذ عام 1996م وحتى عام 2017 م.
تعزيز الحركة الاقتصادية والتجارية:
تضم الجامعات عددا كبيرا من الطلبة والأساتذة والموظفين، والذين بلا شك يحتاجون إلى العديد من الخدمات التجارية، فوجود الجامعة في منطقة ما يساهم في تحريك عدة قطاعات في تلك المنطقة كقطاع الإسكان والإيواء، وقطاع التجزئة، والخدمات المكتبية، وخدمات الصيانة، والنقل وغيرها.
كذلك تقوم الجامعة بتوقيع العديد من العقود لموردين ومقاولين وشركات مختلفة لخدمات التشغيل وتنفيذ المشاريع الإنشائية والالكترونية، هذه العقود بلا شك تسهم في تحريك منشآت القطاع الخاص، والذي بدوره ينعكس على الاقتصاد من إنتاج وتوظيف وغيره.
الأوقاف:
تقوم الجامعات بأنشاء وتأسيس الأوقاف وذلك لزيادة الإيرادات المحصلة لتغطية نفقاتها التشغيلية والمساعدة في دعم وتمويل الأبحاث، وكذلك توفير المنح الدراسية للطلبة المتميزين وغيرهم، ومعلوم الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تقوم به الأوقاف في العملية التنموية من ناحية التوظيف والمساهمة في الاقتصاد الوطني.
ولقياس هذه الآثار ولغرض المقارنة بين الجامعات هناك عدة مؤشرات اقتصادية لمعرفة مقدار الأثر الذي تساهم به الجامعة في الاقتصاد القومي منها على سبيل المثال لا الحصر:
عدد الوظائف الأكاديمية والإدارية – ميزانية العقود والمشاريع التي تقوم بها الجامعة – الإيرادات التي تحققها الجامعة من تشغيل وتأجير الوحدات التجارية – نسبة إشغال الوحدات السكنية والتجارية في المنطقة المحيطة بالجامعة – حجم إيرادات الأوقاف التي تديرها الجامعة – عدد المشاريع والمنتجات التي خرجت إلى السوق من خلال الحاضنات وغيرها من المؤشرات.
إن لإنشاء وتأسيس الجامعات بعد استراتيجي واقتصادي كبير، فالجامعات لها دور رئيسي في المساهمة في عملية التنمية الاقتصادية وتعزيز استدامتها، وليست الجامعات وحدها هي من يقوم بهذه الأدوار، فالحديث ينطبق أيضا على المعاهد والكليات المهنية والتي لها دور أساسي كذلك في عملية التنمية وتزويد سوق العمل بالكوادر المهنية.
إن على المؤسسات الأكاديمية والمهنية أن تعي دورها المحوري في عملية التنمية، وتسعى بشكل فعال ليس لاستيعاب ومواكبة المتغيرات الحاضرة فحسب، بل لصناعة هذا التغيير المنشود وقيادته والتأثير في المجتمع والاقتصاد.
كما أن على الحكومات ممثلة في وزارات التعليم أن تسعى إلى تحفيز الجهات الأكاديمية وترفع معايير المنافسة بينها وتتيح المجال بشكل أكبر أمامها لتعميق استفادة المجتمع من خبراتها، والمساهمة في دفع عجلة التنمية لتحقيق النمو المستدام، خصوصا في هذا العصر الذي أصبح يعتمد على اقتصاد المعرفة، وأصبحت أهم منتجاته هي الأفكار والبيانات والمعلومات.
هذه هي الأدوار الرئيسية والآثار التنموية من أداء الجامعات لأدوارها على الوجه المطلوب، سنلقي الضوء في المقال القادم إن شاء الله حول بعض النماذج والأمثلة الواقعية لأداء الجامعات في المملكة لأدوارها ومساهمتها في التنمية المستدامة.
خاص_الفابيتا