استكمالا للحديث حول الحوار الشامل لولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان لصحيفة "الشرق الأوسط" الأخير، أبدأ من حيث انتهت إجابته عن السؤال العاشر، أن هناك من يتحدث عن بعض التراجعات في بعض المبادرات المتعلقة بـ "الرؤية"؟ وكان رده: "ما يحدث في المملكة تغيير هيكلي شامل للاقتصاد، هدفه إحداث نقلة في الأداء الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل، و(رؤية المملكة 2030) والبرامج المنبثقة منها شأنها شأن أي خطط استراتيجية لا بد من أن تخضع لتحديث وتعديل وفق الظروف والمعطيات، التي تظهر عند التطبيق، دون الإخلال بركائز ومستهدفات (الرؤية)، وتحقيق أفضل النتائج، خاصة في وقت أصبحت لدينا جودة أعلى في اتخاذ القرارات المبنية على الدراسات والتحليلات والأرقام والحقائق والبيانات. وإجابة عن سؤالك حول أن بعض المبادرات المتعلقة بـ(الرؤية) قد تتراجع: لا نتوقع ذلك، فبرامج (الرؤية) تسهم بشكل فعال في عملية التحول الاقتصادي، فنحن الآن ننتقل من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد يتسم بالإنتاجية والتنافسية العالمية".
تأكيدا على ما ورد في رد ولي العهد على هذا السؤال، أجد أنه مما يجب على الأجهزة الحكومية ذات العلاقة في مجالي "سوق العمل، والإسكان"، كونهما يأتيان ضمن الأهم على مستوى أهم وأبرز التحديات التنموية، التي يواجهها الاقتصاد الوطني، لتقوم تلك الأجهزة الحكومية بالشراكة مع القطاع الخاص ببذل جهود أكبر وأسرع، تستهدف بصورة مباشرة: (1) زيادة توطين الوظائف في القطاع الخاص أمام آلاف طالبي العمل من الذكور والإناث المواطنين. (2) معالجة مشكلة صعوبة تملك المساكن، التي تواجه أفراد المجتمع وأسرهم.
فعلى مستوى التوطين في القطاع الخاص، أظهرت بيانات التوظيف حتى نهاية الربع الأول 2019، تراجع نمو توظيف المواطنين والمواطنات في منشآت القطاع الخاص بنسبة سنوية بلغت 3.5 في المائة، وانخفاض أعدادهم في تلك المنشآت خلال عام مضى بأكثر من 62.3 ألف عامل وعاملة، ما أبقى معدل البطالة مرتفعا على الرغم من انخفاضه خلال ربعين سابقين، مستقرا عند مستوى 12.5 في المائة، وبقاؤه تحدّ تنموي يتطلب اتخاذ مزيد من التدابير والإجراءات الهادفة إلى زيادة نمو التوطين من جانب، والعمل الجاد من جانب آخر على زيادة فعالية برامج التوطين الراهنة.
وكما أصبح معلوما لدى الجميع، فبيئة العمل القائمة في القطاع الخاص، لا تزال تخضع بصورة كبيرة لسيطرة مرتفعة جدا من العمالة الوافدة "80 في المائة من إجمالي العمالة في القطاع الخاص"، على الرغم من انخفاضها خلال آخر عامين متتاليين بنسبة 21.0 في المائة، إلا أن تركز ذلك الانخفاض في الوظائف الدنيا من حيث الدخل والمهارات والتأهيل اللازم لها، لم يكن كافيا على الإطلاق لفتح المجال أمام المواطنين والمواطنات لشغلها، كونها أدنى بكثير من مؤهلات واحتياجات طالبي العمل من المواطنين، الذين يتجاوز حملة الشهادات الجامعية منهم النصف، ويصلون إلى أكثر من 75 في المائة، إضافة إلى حملة شهادات الثانوية العامة والدبلوم.
كل هذا يقتضي بدوره نمطا آخر من برامج التوطين، الواجب استهدافها توطين الوظائف المتوسطة والعليا في منشآت القطاع الخاص، التي أظهرت في مستوياتها العليا التنفيذية والقيادية، نموا على عكس ما كان متوقعا في أعداد العمالة الوافدة، خلال الفترة نفسها، التي أظهرت انخفاض العدد الإجمالي للعمالة الوافدة، ولعل وزارة العمل تلتفت إلى هذه الجوانب البالغة الأهمية، وتعمل بدورها على إقرار برامج توطين أكثر فعالية وتأثيرا، تتركز فقط على توطين تلك المواقع الوظيفية المطلوبة جدا من قبل المواطنين والمواطنات، التي ظلت في منأى بعيد وغير متأثرة بكل برامج التوطين التقليدية السابقة.
أما على مستوى تسهيل تملك المواطنين وأسرهم مساكنهم، فعلى الرغم من جهود وزارة الإسكان السابقة، وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، وعديد من العوامل الاقتصادية والمالية، التي أسهمت في انخفاض الأسعار المتضخمة جدا للأراضي والعقارات السكنية بمعدلات بلغت في المتوسط نحو 30 في المائة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إلا أن معضلة تضخم الأسعار والإيجارات على حد سواء، ما زالت تقف حجر عثرة في طريق الشرائح الأكبر من أفراد المجتمع، أمام حظوظهم المشروعة في تملك مساكنهم بالأسعار العادلة، والأسعار الأقرب إلى قدرتهم من حيث الدخل ومن حيث القدرة الائتمانية.
ويؤمل وفقا لذلك، أن تستمر وزارة الإسكان في الإسراع بجهودها الرامية إلى تحقيق ذلك، ولعل مشروعها الأهم ممثلا في نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، يعد الأداة الأقوى تأثيرا والأكثر أهمية لأجل تحقيق هذا الهدف المنشود، الذي سيسهم استكمال تنفيذها لبقية المراحل الأخرى المهمة جدا من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، في تحقيق الأثر الأقوى تجاه استمرار انخفاض الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات السكنية، حتى تصل إلى المستويات المقبولة والمقدور عليها من قبل أفراد المجتمع، وهو الهدف الذي بتحققه ستشهد السوق العقارية والاقتصاد الوطني مزيدا من النشاط والخروج بمعدلات أسرع من دائرة عدم قدرة أغلب أفراد المجتمع على تملك مساكنهم بمشيئة الله تعالى.
يتدخل هذان المجالان التنمويان بالغا الأهمية في صلب الحياة المعيشية للمواطنين، ويتطلب الإسراع بمعالجة المعوقات كافة، التي تواجه تقدم العمل عليها، وألا تتوانى أي من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بهما عن المبادرة باتخاذ كل ما يلزم لأجل التقدم في مسارها، وعدم تأخير أي إجراءات أو مراحل كانت موضوعة في صلب البرامج التنفيذية الخاصة بها، خاصة أن الرقابة والمتابعة حول كل ما يتم إنجازه، سواء فيما يختص بهذين المجالين، أو بغيرهما من المجالات الحيوية الأخرى، قائمة ومستمرة من قبل الأجهزة المختصة، ولا بد أن تأتي الفوائد والمنجزات ملموسة بالدرجة الأولى من المواطنين كونهم الهدف النهائي لها، وتأتي متوافقة تماما مع أي إعلانات بالإنجازات من قبل الأجهزة ذات العلاقة في هذين المجالين تحديدا، والتأكيد في الختام هنا على أن استجابة ورضا المواطن المعني بالدرجة الأولى حول ملفي التوظيف والإسكان، المؤشر الأهم والأول الذي سيتم الاعتماد عليه من قبل صانع القرار. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
تأكيدا على ما ورد في رد ولي العهد على هذا السؤال، أجد أنه مما يجب على الأجهزة الحكومية ذات العلاقة في مجالي "سوق العمل، والإسكان"، كونهما يأتيان ضمن الأهم على مستوى أهم وأبرز التحديات التنموية، التي يواجهها الاقتصاد الوطني، لتقوم تلك الأجهزة الحكومية بالشراكة مع القطاع الخاص ببذل جهود أكبر وأسرع، تستهدف بصورة مباشرة: (1) زيادة توطين الوظائف في القطاع الخاص أمام آلاف طالبي العمل من الذكور والإناث المواطنين. (2) معالجة مشكلة صعوبة تملك المساكن، التي تواجه أفراد المجتمع وأسرهم.
فعلى مستوى التوطين في القطاع الخاص، أظهرت بيانات التوظيف حتى نهاية الربع الأول 2019، تراجع نمو توظيف المواطنين والمواطنات في منشآت القطاع الخاص بنسبة سنوية بلغت 3.5 في المائة، وانخفاض أعدادهم في تلك المنشآت خلال عام مضى بأكثر من 62.3 ألف عامل وعاملة، ما أبقى معدل البطالة مرتفعا على الرغم من انخفاضه خلال ربعين سابقين، مستقرا عند مستوى 12.5 في المائة، وبقاؤه تحدّ تنموي يتطلب اتخاذ مزيد من التدابير والإجراءات الهادفة إلى زيادة نمو التوطين من جانب، والعمل الجاد من جانب آخر على زيادة فعالية برامج التوطين الراهنة.
وكما أصبح معلوما لدى الجميع، فبيئة العمل القائمة في القطاع الخاص، لا تزال تخضع بصورة كبيرة لسيطرة مرتفعة جدا من العمالة الوافدة "80 في المائة من إجمالي العمالة في القطاع الخاص"، على الرغم من انخفاضها خلال آخر عامين متتاليين بنسبة 21.0 في المائة، إلا أن تركز ذلك الانخفاض في الوظائف الدنيا من حيث الدخل والمهارات والتأهيل اللازم لها، لم يكن كافيا على الإطلاق لفتح المجال أمام المواطنين والمواطنات لشغلها، كونها أدنى بكثير من مؤهلات واحتياجات طالبي العمل من المواطنين، الذين يتجاوز حملة الشهادات الجامعية منهم النصف، ويصلون إلى أكثر من 75 في المائة، إضافة إلى حملة شهادات الثانوية العامة والدبلوم.
كل هذا يقتضي بدوره نمطا آخر من برامج التوطين، الواجب استهدافها توطين الوظائف المتوسطة والعليا في منشآت القطاع الخاص، التي أظهرت في مستوياتها العليا التنفيذية والقيادية، نموا على عكس ما كان متوقعا في أعداد العمالة الوافدة، خلال الفترة نفسها، التي أظهرت انخفاض العدد الإجمالي للعمالة الوافدة، ولعل وزارة العمل تلتفت إلى هذه الجوانب البالغة الأهمية، وتعمل بدورها على إقرار برامج توطين أكثر فعالية وتأثيرا، تتركز فقط على توطين تلك المواقع الوظيفية المطلوبة جدا من قبل المواطنين والمواطنات، التي ظلت في منأى بعيد وغير متأثرة بكل برامج التوطين التقليدية السابقة.
أما على مستوى تسهيل تملك المواطنين وأسرهم مساكنهم، فعلى الرغم من جهود وزارة الإسكان السابقة، وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، وعديد من العوامل الاقتصادية والمالية، التي أسهمت في انخفاض الأسعار المتضخمة جدا للأراضي والعقارات السكنية بمعدلات بلغت في المتوسط نحو 30 في المائة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إلا أن معضلة تضخم الأسعار والإيجارات على حد سواء، ما زالت تقف حجر عثرة في طريق الشرائح الأكبر من أفراد المجتمع، أمام حظوظهم المشروعة في تملك مساكنهم بالأسعار العادلة، والأسعار الأقرب إلى قدرتهم من حيث الدخل ومن حيث القدرة الائتمانية.
ويؤمل وفقا لذلك، أن تستمر وزارة الإسكان في الإسراع بجهودها الرامية إلى تحقيق ذلك، ولعل مشروعها الأهم ممثلا في نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، يعد الأداة الأقوى تأثيرا والأكثر أهمية لأجل تحقيق هذا الهدف المنشود، الذي سيسهم استكمال تنفيذها لبقية المراحل الأخرى المهمة جدا من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، في تحقيق الأثر الأقوى تجاه استمرار انخفاض الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات السكنية، حتى تصل إلى المستويات المقبولة والمقدور عليها من قبل أفراد المجتمع، وهو الهدف الذي بتحققه ستشهد السوق العقارية والاقتصاد الوطني مزيدا من النشاط والخروج بمعدلات أسرع من دائرة عدم قدرة أغلب أفراد المجتمع على تملك مساكنهم بمشيئة الله تعالى.
يتدخل هذان المجالان التنمويان بالغا الأهمية في صلب الحياة المعيشية للمواطنين، ويتطلب الإسراع بمعالجة المعوقات كافة، التي تواجه تقدم العمل عليها، وألا تتوانى أي من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بهما عن المبادرة باتخاذ كل ما يلزم لأجل التقدم في مسارها، وعدم تأخير أي إجراءات أو مراحل كانت موضوعة في صلب البرامج التنفيذية الخاصة بها، خاصة أن الرقابة والمتابعة حول كل ما يتم إنجازه، سواء فيما يختص بهذين المجالين، أو بغيرهما من المجالات الحيوية الأخرى، قائمة ومستمرة من قبل الأجهزة المختصة، ولا بد أن تأتي الفوائد والمنجزات ملموسة بالدرجة الأولى من المواطنين كونهم الهدف النهائي لها، وتأتي متوافقة تماما مع أي إعلانات بالإنجازات من قبل الأجهزة ذات العلاقة في هذين المجالين تحديدا، والتأكيد في الختام هنا على أن استجابة ورضا المواطن المعني بالدرجة الأولى حول ملفي التوظيف والإسكان، المؤشر الأهم والأول الذي سيتم الاعتماد عليه من قبل صانع القرار. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية