القدور!

22/02/2019 4
عبدالله الجعيثن

رأيت في قصر الخليفة العثماني بإسطنبول، والذي تحوّل إلى متحف عدداً من (القدور) الكبيرة نسبياً يدور حولها الغربيون مدهوشين من ضخامتها، ولم تُصبني الدهشة لأنّ (قدور) الطباخين عندنا في المملكة هائلة الحجم، بعضها ثلاثة أضعاف حجم القدور العثمانية، يوضع في الواحد منها (البعير) كاملاً فلا تراه العين كأنما وضع في (مسبح أولمبي).. وهذا من الإسراف الذي لا تُحمد عقباه.. خاصة حين يقدم الطعام في صحون كبيرة جدا أو (صواني) هائلة ويشترك الضيوف في الأكل ونهش اللحم فما يبقى منه - وهو أكثر مما يؤكل - لا يعود صالحاً للأكل ولا للجمعيات الخيرية لأنه قد تناوشته الأيدي من كل جانب، واليد من الفم إلى اللحم..

الأفضل تقديم موائد الضيافة على شكل (بوفيه) يأخذ منه كل ضيف بالملعقة الكبيرة مايحتاجه فعلاً، ويقطع من اللحم بالسكين ما يكفيه، وباستطاعته العودة لأخذ المزيد إن لم يشبع، وبهذا فإن ما يتبقّى من الطعام يظل نظيفاً صحياً لم تمسسه يدٌ قط، فيصلح للأكل، وللجمعيات الخيرية، أما التزاحم على (التباسي) الكبيرة بالأيدي ونثر ماتبقى من الأرز واللحم على الأكل والآكلين فإنه يسد النفس ويفسد النعمة..

ومن قديم والعرب يفخرون بالإسراف، وبِعَظَم القدور وسعتها وعمقها.. قال شاعرهم:

(وَقِدْرٍ كجوفِ الليل أحمشتُ غَلْيَها ... ترى الفيلَ فيها طافياً لم يُفَصَّلِ

لو أنّ بني حواء حولَ رمادِها ... لما كان منهم واحدٌ غير مُصْطَلِ )

وثقافة الاعتدال في الطعام وصرف المال ضعيفة جدا في مجتمعنا، مع أنها من أرقى الصفات ومن توجيهات ديننا الحنيف:

(وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)

إنه الدستور القرآني العظيم.

 

نقلا عن الرياض