بين فترة وأخرى تطالعنا أخبار اقتصادية سلبية تذكرنا بتداعيات الأزمة العالمية وبأننا مازلنا نعيش تداعياتها التي توزعت على العالم أجمع وتبرز اليونان في مقدمة الأخبار كعنوان بارز يدلل على ضعف يعتري اليورو العملة الفتية في القارة العجوز فما يحدث هناك وضع دول تلك المنطقة أمام أول التحديات التي تواجه اتحادهم النقدي وما يعتريه من ضعف، فبخلاف الديون الكبيرة التي تتحملها اليونان قرابة 400 مليار يورو تظهر قضايا العجز ليس بالميزانية اليونانية بل حتى في طريقة إيجاد حل لأزمة العملة والاقتصاد الذي تمثله، فهذه الأزمة العالمية كشفت الخلل الذي اعترى تأسيس التكتل الاقتصادي وهويته اليورو فبين اقتصاد ألماني ينتج قرابة 3 تريلونات دولار تأتي اليونان بناتج يصل إلى 350 مليار دولار أي ما يعادل عشرة في المئة من الدولة الأولى بخلاف التباين الكبير بين جميع الدول من حيث الهيكلة الاقتصادية ومستويات الإنتاج فإن أبرز خلل عبّر عنه العديد من الخبراء هو استباق الاتحاد الاقتصادي للاتحاد السياسي بعكس أمريكا التي شكلت فيدراليتها بناءً على أسس سياسية قبل الاقتصادية والذي ولّد قوة اقتصادية هائلة تمتد منذ مئات السنين، وهذا ما يفسر رأي بعضهم بأن أوروبا استعجلت إصدار عملتها وكان الأجدى إبقاء التاريخ المقر سابقاً والذي حدد 2010 عاماً مناسباً لإصدارها لكنّ الأوروبيين استبقوه بعشر سنوات.
وقد يبدو اليوم للكثيرين أن العملة الأوروبية فشلت وللإبقاء عليها يجب التضحية بأي دولة تظهر ضعفاً كبيراً باقتصادها والإبقاء فقط على الأقوياء لكن هذا الجانب من التشاؤم مبالغ فيه فلم تنعدم الحلول إطلاقاً أمام الأوروبيين ولن يتجهوا إلى مثل تلك الخيارات لأن فيها سقوطاً مدوياً لعملتهم وفقاً للثقة من التعاطي مع أي دولة يجري الحديث عن وقوعها في براثن الأزمة العالمية فأوروبا لم تصل لهذه الوحدة دون حساب لأي سقطات قد تحدث، وبالتالي فإن الاتجاه لا مناص نحو دعم أي دولة ولكن بقياس كل مرحلة وبتوازي ما بين تحركات الدولة التي تعاني أزمة والمنظومة الأوروبية من جهة أخرى ولكن بالمقابل فإن أوروبا بعملتها الجديدة لم تشذ عن القاعدة فكل ما هو جديد يبقى مستقبله غامضاً حتى يعاصر كل التجارب، وهذا ما يجعل الدول التي ترتبط بالدولار كعملة احتياط أكثر تمسكاً اليوم به لأنه عايش أغلب الظروف والأزمات الصعبة وخرج منها أقوى من السابق، الأمر الذي عزز من مكانته عالمياً وأصبح كل شيء يقاس ويسعر بالدولار. لكن هل الدولار سيبقى كما هو في المستقبل هذا ما يسمى بسؤال المليون ولا أحد يمكن له الإجابة عنه إطلاقاً بالوقت الحالي ليس بسبب الغموض المستقبلي بل حتى تبقى عناصر القوة موجودة باقتصاد العالم وليحافظ الجميع على موقعه الحالي دون الحاجة إلى التغيير والدخول بانفاق مظلمة ومجهولة المصير. لكن بإطلالة سريعة على تقرير أعدته الوحدة الاقتصادية في شبكة CNN الإخبارية أوضحت أن ديون أمريكا الحقيقية ليست معلنة وأن مبلغ 13 تريليون دولار الحالي ليس كل شيء والتي قسمها التقرير إلى 8 تريليونات عبر سندات أصدرتها و5 تريلونات من صناديق الضمان الاجتماعي والصحي تبرز الآن ديون أسماها التقرير مخفية وتتمثل بخسائر الحكومة من الشركات التي تديرها كفاني ماي وفريدي مالك المقدرة خسائرهم 448مليار دولار وانخفاض حجم الضرائب المتحصلة لما يقارب تريليون دولار، الامر الذي يتطلب المزيد من الاستدانة لسد عجز الموازنة الأمريكية الذي بلغ إلى الآن 1.7تريليون دولار وعلى الرغم من خطط الإدارة الأمريكية الرامية لخفض العجز إلا أن تصريح وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بأن الدين يشكل تهديداً للأمن القومي يظهر القلق الكبير لدى المسؤولين هناك من هذا الحمل الثقيل جداً، فالحكومة لن تستطيع سداد ديون صناديق الضمان حتى العام 2037 ويتوقع أن يبلغ الدين المصرح عنه إذا ما سارت الأمور بالشكل الحالي لمبلغ 22 تريليون دولار عام 2020 وهذا يعني أكثر من 160في المئة من حجم الناتج القومي وعلى الرغم من امتلاك أمريكا لأكثر من 848مليون أونصة ذهب تقدر بنحو300 مليار دولار حالياً وتسجل بدفاتر الأصول الحكومية بسعر 42دولاراً وفق التسجيل العام 1973م لكنها لاتستطيع بيعها بالأسعار الحالية خوفا من تحول الاهتمام بالذهب الأمريكي بعيداً عن شراء السندات بحسب رأي محللين بالأسواق الدولية. تتفاقم المشاكل التي تواجهها العملتان الأكبر عالميا ومصيرهما معلق بقدرة أمريكا وأوروبا على الإصلاح والهيكلة والمعالجة الحقيقية للمشاكل بعيداً عن الحلول التي قد تبدو طارئة فلا يمكن أن يكون هناك عملة تفرض قوتها وهي مكشوفة للعراء ومحملة دولها بديون لا يمكن لأي آلة حاسبة ان تحتوي تلك الأرقام لأن العيون ستعجز على احتوائها والعقول قد لات ستطيع قراءتها حتى تستمر بإيجاد الحلول لهضمها ان الاسئلة التي تبحث عن إجابات معقدة ما هو المصير لتلك العملات وكيف سيكون الحل لابد أنه يحمل جوانب غير تقليدية لن يكون هناك من يحدده أكثر من الأمريكيين والأوروبيين بكل تأكيد ولكنهم لن يفصحوا عن كل شيء بل سيمارسونه إلى أن تظهر آثاره تحت منطق السرية المطلقة، فأسباب الديون المتراكمة هي معلنة لكن لماذا أصبحت بهذا الحجم الضخم هو المجهول ولذلك فإن الحلول المناسبة ستبقى هي كذلك.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع