بدأت الأسبوع الماضي العقوبات الأميركية على صناعة النفط الإيرانية، وشملت كل من يتعاون مع «شركة النفط الوطنية الإيرانية» والشركات النفطية الأخرى ذات العلاقة، إضافة الى حجب نظام «سويفت» للتعاملات المصرفية المالية الذي سيعرقل تجارة إيران.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن أن العقوبات هذه المرة ستكون شاملة وصارمة وقاسية، ولكن واشنطن أعلنت لاحقاً إعفاء 8 دول تستورد نفط إيران من العقوبات، منها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، لمدة 180 يوماً. وتشكل هذه الاستثناءات حصاراً من دون أنياب خلال الفترة القريبة المقبلة، اذ يبلغ معدل وارداتها نحو ثلثي صادرات ايران النفطية.وعزا ترامب إصدار الاستثناءات إلى خشيته من ارتفاع أسعار النفط التي سجلت خلال منتصف تشرين الأول (أكتوبر) نحو 86 دولاراً للبرميل.
ورفعت مجموعة من أقطار «أوبك» صادراتها نحو مليون برميل تقريباً منذ حزيران (يونيو) الماضي، بحيث ازدادت أسعار تأجير الناقلات الضخمة لتسجل 16500 دولار يومياً مطلع أيلول (سبتمبر) الماضي، و18825 دولار يومياً في الأسبوع الأخير من أيلول، 40 ألف دولار يومياً في الأسبوع الأول من تشرين الأول، حتى الآن.
وساهم ارتفاع سعر الشحن إلى صعود أسعار النفط نحو دولار يومياً.
ويُظهر ارتفاع سعر الشحن البحري إلى صعود الإنتاج والصادرات من «أوبك» قبل مطالب ترامب برفع الإنتاج وبعدها. يُذكر أن معدل صادرات إيران النفطية قبل فرض العقوبات بلغ 2.4 مليون برميل يومياً، 1.8 مليون برميل منها إلى الهند والصين، بينما يتجه معظم الصادرات الأخرى إلى اليابان وكوريا الجنوبية، ونسبة قليلة إلى أوروبا.
وأعلن وزراء أوروبيون أن هدفهم الرئيس هو الحفاظ على عضوية إيران في «الاتفاق النووي، وسيسمحون لشركات بلادهم ليس فقط باستيراد نفط إيران، بل أيضاً بالعمل على تطوير الحقول.
ولكن من غير الواضح حتى الآن آلية تنفيذ هذه السياسة ومداه، ناهيك عن رد فعل الولايات المتحدة تجاهها.
يطرح الحصار النفطي على إيران 3 أسئلة محورية، الأول هل ستغير طهران إستراتيجياتها الإقليمية التي تطالب بها الولايات المتحدة، التي تشمل توسيع منطقة نفوذها لتصل إلى مشارف البحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسورية ولبنان، ومحاولة التوسع على أطراف الجزيرة العربية (البحرين واليمن)، ووضع البرنامج النووي الإيراني تحت رقابة طويلة الأمد، والحدّ من برنامج تطوير الصواريخ الباليستية.
وتتزامن هذه العقوبات مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية في إيران، وهبوط قيمة الريال أمام الدولار إلى مستوى قياسي، وارتفاع التضخم وخروج تظاهرات ضد الوضع الاقتصادي الصعب. وفشلت حكومة الرئيس حسن روحاني في الحدّ من هذا التدهور الاقتصادي، ما أدى إلى استقالة معظم وزراء الطاقم الاقتصادي.
وما زاد الطين بلة، فضائح الفساد في أجهزة الدولة وتنظيمات الحرس الثوري المهيمنة على تنفيذ معظم المشاريع الاقتصادية الكبرى، خصوصاً البترولية منها. ولكن، هل تؤثر هذه العوامل السلبية في سياسات حكومة شمولية؟ فهذه ليست المرة الأولى التي يُفرض فيها حصار نفطي على دول منتجة شرق أوسطية. فهناك تجارب كل من العراق وسورية وليبيا، وإن دلّت هذه التجارب على شيء، فهو فشل العقوبات في التأثير بهذه الأنظمة، بل تؤدي إلى تدهور اقتصادي واجتماعي.
وكان الحل الأخير في كل هذه التجارب التدخل العسكري الخارجي، من الاحتلال أو حروب أهلية أو نزاعات داخلية تفكك البلاد.
والسؤال الثاني، ما مدى تأثير العقوبات في استقرار الأسواق العالمية، وهو الهدف الرئيس الذي تسعى اليه أقطار «أوبك» بقيادة السعودية ومجموعة المصدرين غير الأعضاء في المنظمة، بقيادة روسيا. والتأثير المباشر لسياسة العقوبات تمثل في تذبذب الأسعار بسرعة، فتراجع «برنت» من نحو 86 دولاراً للبرميل إلى نحو 70 دولاراً خلال الأسابيع الأربعة الماضية، وبدأت المنافسات السعرية، كما بدأت إيران تمنح حسومات سعرية منذ بداية تشرين الأول، فباعت النفط «الإيراني الخفيف» بحسم 30 سنتاً للبرميل مقارنة بسعر النفط «العربي الخفيف» السعودي، بعدما كانت تسعر النفط «الإيراني الخفيف» القليل الكبريت على مدى العقدين الماضيين بـ20 سنتاً أعلى من مثيله «العربي الخفيف».
السؤال الثالث، ما مدى تأثير انخفاض الصادرات النفطية الإيرانية في الأسواق العالمية؟ وتتزامن العقوبات مع تدهور الطاقة الإنتاجية الفنزويلية، ومع بدء فصل الشتاء القارص في نصف الكرة الشمالي، ما سيزيد الطلب على وقود التدفئة. ولكن من الواضح أن انخفاض الصادرات الإيرانية بين مليون ومليوني برميل يومياً، أمر يمكن التعامل معه من دون التسبب بشح في الأسواق، خصوصاً مع الاستثناءات الأميركية.
وشكلت تهديدات الحرس الثوري بإغلاق مضيق هرمز أمام ناقلات النفط، الخطر الأكبر على الأسواق وسلامة الاقتصاد العالمي، وما قد ينتج عنها، في حال تنفيذها، من مضاعفات عسكرية بين واشنطن وطهران.
ولكن يتبين الآن أن إعطاء نافذة مهمة لاستمرار الصادرات الإيرانية، ولو بشكل منخفض قليلاً، قد يحفز إيران على تفادي هذه المعركة، نظراً إلى أن العقوبات، وإن ستكون مضرة لإيران، إلا أنها لن تتسبب بالخسائر ذاتها التي قد تنجم إذا حاولت إغلاق مضيق هرمز.
ويُتوقع أن يؤدي الحصار إلى صعوبات في المجتمع الإيراني، إذ تنهمك الحكومة في إنفاق مبالغ طائلة على سياساتها التوسعية في الشرق الأوسط. ويؤدي الحصار أيضاً إلى تحديات مهمة أمام الدول المصدرة لموازنة الأسواق وبقاء أسعار النفط ضمن معدلاتها، كما حصل بين عامي 2014 و2016. وستتأثر صناعة النفط الإيرانية بتأخر تطوير بعض حقولها البترولية، ولكن التجارب السابقة أظهرت أن من الممكن تجاوز هذه العقبات لاحقاً، عبر التعاون مع شركات النفط العالمية التي ستعود مرة أخرى للعمل في قطاع النفط الإيراني.
نقلا عن الحياة