التمويل الجماعي

15/10/2018 0
د. عبدالله الردادي

يعد التمويل الجماعي أحد جوانب الاقتصاد الجديدة التي أضافتها التقنية في العقد الأخير من الزمن. والتمويل الجماعي طريقة جديدة لتمويل المشاريع، والجديد فيها أنها لا تتم عن طريق مؤسسات مالية أو بنوك؛ بل يتم تمويل المشاريع فيها عن طريق مستثمرين أفراد لا يمثلون أي جهة استثمارية ويتم التواصل بين الطرفين (أصحاب المشاريع والممولين) عن طريق طرف ثالث يكون عادة منصة إلكترونية مختصة بالتمويل الجماعي. وهي في بعض حالاتها أشبه ما تكون بالمساهمات الخاصة، إلا أن المساهمات عادة ما تتم عن طريق معارف اجتماعية وشخصية، والتمويل الجماعي يتم عن طريق الإنترنت مما يعطيه إضافة الوصول لعدد أكبر من الراغبين في الاستثمار.

وللتمويل الجماعي أشكال وأهداف متعددة، قد يكون أبرزها هو التمويل بهدف الإقراض والتملك والربحية. وقد كانت بدايات التمويل الجماعي بهدف الإقراض الخيري، أي أن الممولين فيه لا يحصلون على أي أرباح من التمويل، ويستفيد من هذه القروض أصحاب المشاريع الصغيرة في الدول الفقيرة كالمزارعين وغيرهم، ويُمنح الممولون شهادات تكريمية على مساهماتهم الخيرية. وسرعان ما أصبح التمويل الجماعي مصدرا لتمويل المشاريع الصغيرة، والتي عادة ما يكون معدل الخطر فيها زائدا، لدرجة أن البنوك ترفض تمويلها، فيلجأ حينها أصحاب هذه المشاريع إلى المنصات الإلكترونية، معلنين عن مشاريعهم بكل تفاصيلها للمستثمرين الذين عادة ما يبحثون عن أرباح من شركات صغيرة ومتوسطة قيد العمل، أو عن ملكيات في شركات ناشئة تبحث عن تمويل لتبدأ نشاطها.

ويستفيد أصحاب المشاريع من هذه المنصات بعدة أشكال، فهم يستطيعون الوصول إلى رؤوس أموال لم تكن متاحة في السابق، وبينما كانت البنوك والمؤسسات المالية تستأثر بتقييم المشاريع وعن جدوى تمويلها، أصبح المستثمرون أنفسهم يقيمون هذه المشاريع ومستوى الخطر فيها، مما يتيح لأصحاب هذه المشاريع الحصول على تمويل يتناسب مع مشاريعهم.

ويستهدف أصحاب المشاريع في هذه المنصات أفراداً متحمسين لأفكار مشاريعهم، فهم -على سبيل المثال - يستهدفون المتحمسين للحفاظ على البيئة في حال كان مشروعهم يساعد في التنمية البيئية، وكذلك الأمر للمشاريع الفنية، سواء المختصة في إنتاج الأفلام أو الموسيقى، أو في الأبحاث العلمية.

كما أتاح التمويل الجماعي الفرصة للأفراد في الدخول في استثمارات تتناسب مع قدراتهم المادية ومع رغباتهم؛ فالمستثمر غير ملزم بمبلغ محدد للاستثمار في المشاريع، ولذا فهو يساهم في التمويل بحسب قدرته المادية، وليس الأمر كذلك في الاستثمارات الأخرى حيث يحدد مبلغ أدنى للدخول في الاستثمارات، وهو عادة ما يكون فوق قدرة صغار المستثمرين.

كما أن هذا التمويل أتاح للأفراد إشباع رغبتهم في تمويل مشاريع يتحمسون لها بشكل أو بآخر، ويشير أحد أصحاب إحدى منصات التمويل الجماعي إلى أن الموجة الشعوبية العالمية كانت أحد أسباب نمو التمويل الجماعي؛ وذلك لأن بعض المستثمرين يمولون مشاريع بسبب انتماءات إقليمية أو وطنية أو غيرها، وهو عنصر لا تنظر له المؤسسات المالية في العادة... وسواء كان هذا المنظور صحيحا أم لا، فهو أتاح لبعض أصحاب المشاريع فرصة للتمويل لم يكونوا ليحصلوا عليها عادة.

منصات التمويل الجماعي - بدورها - زادت في السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة، وهي تحصل على أجرها بعدة طرق، سواء عن طريق عمولة من مبلغ التمويل، أو من خلال الحصول على حصة في الشركات الناشئة. وتحولت منصات التمويل إلى ما يشبه أسواق السندات للشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث يمكن للمستثمرين تداول أسهم هذه الشركات بما يشبه سوق أسهم مصغّر.

ويوضح أحد أصحاب منصات التمويل بضرورة حصول الطبقة المتوسطة على فرص استثمارية حقيقية، بعيداً عن الاستثمارات ذات العوائد القليلة، مبررا أن الكثير من هؤلاء المستثمرين يستطيعون فهم مستوى الخطر في هذه الاستثمارات، وهم باستثمارهم في مشاريع يزيد فيها معدل الخطر يطمحون إلى عوائد أعلى من المعتاد. مؤكدا على أن الفارق بين الطبقة المتوسطة والثرية ليس فارقا في الدخل، بل هو فارق بالثروة، وفي حال لم تقم الطبقة المتوسطة بالاستثمار فإن دخلها (حتى ومع زيادته) سوف يتآكل بفعل التضخم.

وبكل الأحوال، فإن التمويل الجماعي أصبح واقعا لا يمكن إنكاره، وهو إضافة تعطي المشاريع ذات الخطر العالي فرصة في الاستثمار. والمعلوم أن الدول تحتاج إلى مشاريع طموحة ذات معدل خطر مرتفع، والمؤسسات المالية ليست مهتمة بشكل كبير بتمويل هذه المشاريع، إلا أن الأفراد يملكون الرغبة في هذه المخاطرة في ظل العوائد المرتفعة التي قد تحققها.

وقد تم تقنين التمويل الجماعي في بعض الدول بشكل صارم، مثل بريطانيا، حتى تتم حماية المستثمرين فيها بعيدا عن التحايل الممكن حصوله من مشاريع وهمية لا وجود لها. كما أقرته بعض الدول العربية، إلا أن المنصات فيها ما زالت يانعة مقارنة بباقي دول العالم.

 

نقلا عن الشرق الأوسط