بطالة الأطباء السعوديين هدر للاقتصاد

30/09/2018 9
عبد الله صادق دحلان

التعليم والصحة يحظيان بأكبر دعم مالي ومعنوي من القيادة السعودية، ونصت عليها الرؤية المستقبلية وتم اعتماد أكبر الميزانيات لتطوير هذين القطاعين، وللحقيقة نلمس تطورا في جميع الخطط والمشاريع التعليمية الحكومية والأهلية، وهناك اهتمام كبير بجودة التعليم وإعطاء هذا الموضوع أولوية لتحسين مخرجات التعليم وهي الأساس.

أما قطاع الصحة وللأسف الشديد لم يحظ بإنجازات كبيرة من قبل الوزارة المعنية، وفي الماضي اهتمت الوزارة بخريجي كليات الطب من داخل المملكة وخارجها من الشباب السعودي وقد تبنت الوزارة آنذاك موافقة ملكية على ضمان وظيفة لكل طبيب سعودي حديث التخرج، وهذا زرع الطمأنينة لدى الأطباء حديثي التخرج أو الطلبة على مقاعد الدراسة في كليات الطب أو الراغبين بدخول كليات الطب، وهي الكليات الأصعب في الدراسة.

وبالفعل زاد عدد الأطباء السعوديين خريجي كليات الطب البشري وأطباء الأسنان من داخل المملكة وخارجها، إلا أنه وللأسف تغير التوجه وتوقفت قرارات التوظيف لكل خريج، وتوقفت سياسة صرف راتب شهري لكل طبيب متخرج متدرب يعمل في أحد المستشفيات الحكومية، حتى وصل عدد الأطباء العاملين في وزارة الصحة إلى حوالى (27.500) منهم (11.172) طبيبا سعوديا في وزارة الصحة حسب إحصائيات الوزارة في العام الماضي، ووصل عدد الأطباء العاطلين عن العمل والباحثين عنه والمصنفين مهنيا من قبل هيئة التخصصات الصحية والمسجلين في قاعدة (طاقات) و(جدارة) وحسب البيانات المتاحة إلى حوالى (5723) طبيبا معه شهادة بكالوريوس، و(72) طبيبا حاصلا على شهادة في الدراسات العليا، بالإضافة إلى أن التوقعات من هيئة التخصصات الصحية تشير إلى أنه سيتخرج حوالى (1144) طالبا حاصلا على درجة البكالوريوس في الطب البشري من الخارج في هذا العام، ويتوقع أن يتخرج هذا العام من الجامعات الحكومية والخاصة حوالى (3210) من كليات الطب السعودية وللأسف الشديد سيصل عدد الأطباء بدون عمل حوالى العشرة آلاف طبيب عام وأسنان، حيث يبلغ عدد ممارسي طب الأسنان في المملكة حوالى 10 آلاف طبيب، لايتجاوزعدد الأطباء السعوديين منهم نسبة 25% أي نحو 2500 طبيب سعودي فقط، وهذا يؤكد أن هناك خللا في سياسة وزارة الصحة في التوظيف والتدريب للأطباء حديثي التخرج، وأجزم أن هذه القضية تمثل صورة حقيقية للهدر في اقتصاد الدولة، حيث تصرف الدولة البلايين في تعليم أبنائها الطلبة داخليا وخارجيا وعلى وجه الخصوص طلبة الطب، وهم الأعلى تكلفة، ويعاني طلبة الطب أكبر الصعوبات حتى يتم تخرجهم وتصل فترة انتظارهم للتعيين إلى أربع وخمس سنوات، وهي قضية أساسية وخطيرة تزداد سنويا بزيادة أعداد الخريجين من الأطباء.

وهذا يؤكد فشل الخطط في وزارة الصحة لاستيعاب الخريجين في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، ويؤكد أن هناك خللا في سياسات وخطط التوظيف.

إن ارتفاع نسب البطالة في الأطباء، سواء الأطباء العامين أو أطباء الأسنان حديثي التخرج تعتبر مؤشرا خطيرا جدا في سوق العمل، وإن إغفال هذه الحقائق يعتبر كارثة في حق الوطن، متمنيا على القيادة حفظها الله فتح هذا الملف والتحقيق في الأسباب ومساءلة المتسببين في تفاقم المشكلة.

وللأسف هناك ردود غير مقنعة من كبار المسؤولين في وزارة الصحة بأنهم لا خبرة لهم، والسؤال كيف تكتسب الخبرة إذا لم تتح الفرصة للتدريب، وكنت أتوقع أن يدافع المسؤولون في وزارة الصحة لإعادة قرارات التوظيف المباشر للخريجين والذي توقف بدون سبب عادل.

وأطالب اليوم بإعادة العقود الذاتية (اللوكم) للأطباء حديثي التخرج.

وأقترح ضرورة بناء (أطباء العائلة) وهو تخصص مهم جدا ويستوعب الآلاف من الخريجين، وهو تخصص يعتبر الأساس في تقديم الرعاية الصحية للمواطنين ومطلوب في جميع مناطق المملكة، حيث يطلب من المرضى بالتوجه أولا إلى (أطباء العائلة) ثم يتم التحويل للأخصائيين مما يساهم في تخفيف الضغط على الأطباء الأخصائيين والاستشاريين، ويفترض أن يكون في كل حي من أحياء المدن مركز صحي به على الأقل اثنان إلى ثلاثة أطباء عائلة.

إن دول العالم المتقدم تهتم بتخصص (طب العائلة) إلى حد كبير حيث تصل نسبته إلى 50% من عدد الأطباء في بريطانيا، و 45% في كندا، و40% في إسبانيا، أما في المملكة فكشفت دراسة عن أن نسبة أطباء العائلة لا تزيد على 3-4% من مجموع الأطباء ومعظمهم من الأطباء الأجانب والذي يصعب على المرضى التعامل معهم بسبب اختلاف اللغة في معظم الأحيان، مما يشير إلى وجود فجوة كبيرة في تخصص طب العائلة في المملكة وقد يعود السبب في ذلك إلى عدم وجود عدد كاف من كليات الطب لتخريج أطباء بتخصص (طب العائلة) وعدم وجود برامج دراسات عليا في هذا التخصص.

كما اقترح إنشاء مراكز متخصصة للأطباء الاستشاريين السعوديين المتميزين لدعمهم في عملهم المهني الإنساني مع ضمان عدم انشغالهم بالأعمال الإدارية كما هو في المستشفيات الخاصة أو الحكومية.

إن تضاعف أعداد الأطباء العاطلين عن العمل أكبر مؤشر على فشل وزارة الصحة، حتى لو كانت إمكانياتهم ضعيفة، لكن كان ينبغي عليهم توضيح الصورة الحقيقية للقيادة التي لم ولن تتأخر في معالجة هذه القضية.

نقلا عن عكاظ