لا خيارات هنا...نعم البنك المركزي سيقوم بما عليه فعله للسيطرة على التضخم ودعم موقف السياسة النقدية بعدما بلغت الأمور حدا لا يمكن معه إلتزام الصمت أو الوقوف على الحياد، فهل قبل "اردوغان" التنازل أم انه ماطل مستخدما الوقت للإستعداد جيدا؟
الكل ينتظر خطوة البنك المركزي التركي القادمة بعدما قفز مؤشر أسعار المستهلكين إلى أعلى مستوياته منذ بدء العهد الاردوغاني قبل خمسة عشر عاما..نعم التضخم عند 17.9% بعدما ارتفعت تكلفة الطاقة مرتين إذا جاز الوصف مرة بإرتفاع سعر برميل النفط عالميا ومرة أخرى مع تواصل تراجع الليرة، وتركيا مستوردة للطاقة .في نهاية المطاف السؤال الذي ينتظر الكل جوابه الآن: من سيتنازل اردوغان أم البنك المركزي؟
الرئيس الذي تولى الرئاسة عام 2014 بغد الغاء منصب الوزراء الذي حقق من خلاله انجازا اقتصاديا يريد أن يمحيه وبنفس المعول، بدا وكأنه يريد السيطرة على كل شيء حتى لو خالف أبسط القواعد، فليس الأمر مجرد اعلان في خطاب حماسي أو لقاء تلفزيوني .."أنا عدو الفائدة"..هل سيقنع ذلك المستثمرين؟ بالطبع لا.
هل سيضحى البنك المركزي بسمعته واستقلاليته –كما هو مفترض أن يكون مستقلا- انه حال التخاذل سيضيّع الليرة ذاتها؟ فلا مجال للتراجع هنا بعدما أصبحت الفائدة الحقيقية سالبة بعد وصول التضخم إلى 17.9% في أغسطس/آب حسب البيانات الرسمية.
الفائدة تقف عند 17.75% بعد آخر رفع لها في يوليو/تموز بواقع 1.25%، في الوقت الذي ارتفعت فيه 3% في الشهر السابق أى مايو/آيار، لكن لماذا يصف "اردوغان" نفسه بعدو رفع الفائدة؟
الشركات التركية تعاني من خلل شبيه بما حدث للنمور الآسيوية في أزمتها الشهيرة عام 1997، (وكأن التاريخ يصر على إعادة نفسه رغم أنف الجميع)، خلل ناجم عن اختلاف عملة القروض (اليورو والدولار) عن عملة تحصيل الايرادات (الليرة)، بعدما استطاعت الاستفادة بشكل كبير من الأزمة المالية العالمية والتوسع في الاقتراض كون الفائدة قرب الصفر.
ولأن الأموال في عهد الرأسمالية الجشعة لا تعرف إلا الربح فقط فقد نزحت بقوة صوب الأسواق الناشئة ذات النمو المرتفع كي تستفيد من سرعة دوران معدل رأس المال، فضلا عن النمو القوي فتحقق ربحا، فهاجرت صوب تركيا، وغيرها من الأسواق الناشئة.
ومع ارتفاع قيمة القروض وبالتالي الديون، باتت هناك اشكالية أظهرها رفع الفائدة الأمريكية المنتظر تواصلها في سبتمبر/أيلول الجاري بعد تقرير الوظائف الشهري الجيد ليضيف ضغطا جديدا، حيث تقوم الأموال بهجرة عكسية من الأسواق الناشئة التي ترتفع تكاليف اقتراضها بعد تضخم فاتورة الاقتراض وبالتالي القلق من عدم قدرتها على السداد صوب الأسواق المتقدمة مرة أخرى.
ولكي تسدد الشركات التركية قروضها الضخمة عليها الآن تدبير مبالغ ضخمة بالليرة كي تتواءم مع التراجع الكبير في سعر صرفها لتتمكن من شراء العملات الأجنبية وتسديد تلك الديون، و"اردوغان" يحاول دعمها بالإبقاء على سعر الفائدة كما هو،"جي بي مورجان" يقدر الديون التركية الواجب سدادها حتى منتصف العاد القادم عند 179 مليار دولار، ومعظم هذه الديون للقطاع الخاص.
هذه الإشكالية الضخمة التي يكشفها عجز الحساب الجاري لدى معظم الدول المتضررة من أزمة الأسواق الناشئة، لا سيما تركيا، الأرجنتين، اندونيسيا، وغيرهم، أدت للضغط الشديدة على عملات تلك الدول، تماما كما حدث قبل نهاية تسعينات القرن الماضي مع ماليزيا، كوريا الجنوبية، وتايلاند، حيث كانت الفرصة سانحة لـ"جورج سوروس" وصبيانه لتحقيق مكاسب كبيرة، فهو يعلم تماما موضع الضعف ويضرب بلا رحمة.
الإشكالية في أسواق "العهد الرأسمالي السعيد"، أنه لا يمكنك غلق أبوابك أو نوافذك على نفسك متى أردت بعدما قبلت قوانين فتح الأبواب على مصراعيها أمام "المال الساخن" وإن فعلت فالعقاب قاس جدا بتدمير كبير لمفاصل الاقتصاد، حيث التخارج الجارف وهو ما يعني فوضى عارمة، وهذا يعني استبعاد التفكير في عمل رقابة على تحرك رؤوس الأموال الخارجة من تركيا.
(هنا الغرب-بمنطق نظرية المؤامرة- رابح في كل الأحوال عندما استفادت الأموال الرخيصة من النمو القوى في الأسواق الناشئة بغض النظر عن مجال الاستثمار، والمرة الأخرى عن طريق مضاربيه الذين يخرجون مع تفاقم المشكلة).
لذا ليس من خيارات كثيرة متاحة أمام المركزي التركي يوم الخميس القادم، فالخيار الأول والأخير هو رفع الفائدة حتى ولو حاول استخدام أدوات أخرى، فلن يتحمل المودعون مزيدا من الخسائر مع "فائدة حقيقية سالبة" في الوقت الذي قد تبدو فيه أرقام التضخم على أرض الواقع أعلى مما هو معلن.
يبقى تساؤلا منطقيا عن نسبة الرفع المتوقعة؟ وبعمل حسبة بسيطة فإن حصول المودعين على فائدة حقيقية ايجابية هامشية لا يتطلب سوى 1%، لكن ماذا عن نسبة الرفع التي تستعيد الثفة في الأسواق؟
هنا السؤال معقد وكذلك الإجابة، لكن يكفي تذكر تراجع مؤشر الثقة في الاقتصاد 9% خلال يوليو/تموز لأدنى مستوياته منذ 2009، لنكون على دراية بعمق المشكلة التي تتطلب خطوتين متوازيتين:أولهما رفع الفائدة بما لا يقل عن 5% كتحرك أولى لرفع ثاني وثالث، وثانيهما تعهد من "اردوغان" بالصمت فيما يخص سياسة البنك المركزي وأظنه لن يفعلها.
خاص_الفابيتا
مقال ممتاز .... على تركيا ان تختار بين المحافظة على مستويات النمو او استقرار الليرة !!.....خيارات صعبة امامهم لكن ربما يستطيعون الاستفادة من ماحدث في الازمة الاسيوية في 1998. .... هل تخضع تركيا لصندوق النقد وشروطه من رفع الفائدة وخفض الدعم و زيادة الاستقطاع الضريبي للحصول على الدولار لدعم عجز ميزان المدفوعات ؟ لكن هناك خيار اخر هو ان تبيع الدولة التركية بعض اصولها للحصول على الدولار كحل مؤقت .....لكن في كل الاحوال السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة هو بوابة الحل حتى لو كان على حساب النمو وحساب حزب العدالة تبعا .
شكرا أخي الكريم...ربما يكون لتركيا مخرجا حال تأزم الوضع فعين ألمانيا تراقب الوضع عن كثبت وربما تدخل في أى وقت لمنع "عدوى" قد تعصف بالبنوك في منطقة اليورو حيث يحمل بعضها ديونا تركية تناهز 150 مليار دولار..لكن التجربة اليونانية تخبرنا أنها ربما تطلب تواجد صندوق النقد تماما كما يحدث بتضمين مجموعة الترويكا "صندوق النقد، المركزي الاوروبي والمفوضية الأوروبية" في محادثات انقاذ اليونان.
شكرا أستاذ ياسر..الحالة المصرية مختلفة وهيكل الاقتصاد مختلف، ويمكن لحضرتك معرفة الإجابة بسؤال رجل الشارع ما الذي انخفض ثمنه؟ سيرد لا شيء تقريبا...في رأيي المركزي المصري يشتري الوقت لصالح الحكومة بعد تحديد مستهدف للتضخم عند 13% زائد او 3%..وعليه فإنه لا يرفع الفائدة كما نتابع..لكن هذا الوضع سلبي كون معظم ان لم يكن كل البنوك المركزية تحاول مسايرة الاحتياطي الفيدرالي في تشدبد السياسة النقدية حتى لا تتأثر عملاتها سلبا وأعتقد ان الوضع ربما يزداد صعوبة حال استمرار تخارج الأجانب من الاستثمار في ادوات الدين وربما يؤثر سلبا على تحرك الجنيه ومن ثم يرتفع التضخم الفعلي لا الاحصائي، حيث قناعتي ان التضخم الرسمي لا يعبر عن الواقع على الأرض.
مقال رائع استاذ خالد ولكن رفع الفائدة شر لابد منه لوقف هذا النزيف ولكن السؤال الأهم : هل رفع الفائده في مصر نجح بالفعل في السيطرة علي التضخم ام انه كلام اعلامي فقط ؟
اعتذر فقد وضعت الرد بالخطأ أعلاه في التعليق الأول
مقال....مأجور...من يضغط غلى الاقتصاد التركى ترامب...واذا طار ترامب طارت عملة تركيا الى افضل من السابق
مأجور مرة وحده !!! إن شاء الله إن الكاتب مأجور وليس موزور ولا "مأجور"
شكرا أستاذ خالد أبو شادي على هذا المقال ,, رفع الفائده وزيادة الإيرادات من السياحه وتصدير سلع اكثر من السابق وتخفيض فاتورة الاستيراد ,, كلها ضرورة لحلحلة مشكلة انخفاض الفائده