من العلامات الفارقة بين اقتصاديات الدول المتقدمة والنامية أن الأولى تهتم بالاقتصادَين الجزئي والكلي، بينما الثانية تهتم في الأساس بالكلي، في حين إن مصدر النمو المستدام في الجزئي. فصل الكلي عن الجزئي في الأساس نظري، لأن التفاعل بين الكلي والجزئي ضرورة عملية، لكن غياب الإطار النظري يجر إلى فقدان التركيز، وفي الأخير إلى سياسات ناقصة، خاصة أن الاقتصاد الجزئي يتطلب دقة أكثر، مثل السياسة البشرية والعمالية وإجراءات الحوكمة والتشريعات.
كثير من الدول النامية ومنها المملكة تنبهت أخيرا للاهتمام بالشركات خاصة بعد درجة من تنظيم مصالح الشركات من خلال مجالس الغرف، وحتى أجهزة حكومية تسعى إلى مساعدة القطاع الخاص. لكن "القطاع الخاص" أصبح مظلة كبيرة تعنى بالتخصيص على اختلاف مسمياته ودرجاته والتشريعات والعمل والاستثمار الأجنبي والعقود الحكومية وتنظيمات تمويله، وأخرى تعنى بالشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن من السخريات أنه في ظل هذا الزخم التنظيمي والاهتمام تجد أن التركيز على حيثيات المحركات الأساسية ناقص، مثل رصد القيمة المضافة ونقل التقنية والخط البياني للحوكمة، وانتقال الشركة العائلية إلى شركات مساهمة وأكثرة استدامة وتعريف عملي للتستر، وتحفيز وإدارة المنافسة والمساعدة على كشف الفساد. الغريب أنه حتى الغرف التجارية ومجلس الغرف أصبحت أجهزة بيروقراطية عامة، غير قادرة على التحليل الاقتصادي، بغرض التوصل إلى سياسات ناجعة تمكنها من التواصل العملي مع الأجهزة العامة، بما يخدم الاقتصاد الجزئي. يتضح من هذا أن هناك عدم تجانس وتعاون على الرغم من قنوات التواصل الرسمية وغير الرسمية، خاصة أن ولي العهد أبدى اهتماما واضحا بالاقتصاد ومقابلة رجال الأعمال والاستماع والتداول معهم.
يؤرقني عدم التجانس والتعاون، لأنهما قاعدة الثقة والتواصل الفاعل للوصول إلى منظومة سلسة في الاقتصاد. أثبتت التجارب في كوريا والآن في الصين أن هذا التعاون والتجانس مفصلي في النجاح الاقتصادي من عدمه، بل اختبار حقيقي للتجربة التنموية برمتها. جاءت في بالي هذه المقالة بعد أن قرأت ورقة بحثية صدرت من صندوق النقد الدولي نشرت في بداية شهر حزيران (يونيو) 2018 تناقش توجها لسيطرة عدة شركات على حصص مؤثرة من الأسواق وتأثير ذلك السلبي في الأرباح والتوظيف والأجور. الورقة تتحدث عن عدة دول، فعلى سبيل المثال تذكر ظاهرة جديدة في أمريكا: على الرغم من تقلص البطالة إلى أن وصلت أقل من 4 في المائة إلا أن الأجور الحقيقية "الاسميه ــ التضخم" لم ترتفع مقارنة بهوامش الأرباح لدى الشركات، وأن تركيز الأرباح في عدة شركات قلص النمو في الإنتاجية ورفع الأسعار على المستهلكين. الواضح أن اقتصاديات الشركات لدينا لا تحظى بمتابعة مماثلة للوقوف على طبيعة النمو ومكوناته الجزئية وتوزيع الأرباح بين الملاك والعاملين.
تنظيميا هناك عدة جهات ترصد أداء بعض الشركات مثل هيئة السوق المالية للشركات المدرجة، لكنها رقابة محاسبية ومالية، وليست من نظر اقتصادي، بينما جزء مؤثر من رؤوس أموال في شركات عائلية أشك في مدى دقة الجهات ذات العلاقة، ناهيك عن التنبه إلى المحتوى الاقتصادي. لعل المؤسسات البحثية مثل كابسارك وبعض الجهات الرقابية مثل CMA وSAMA والجامعات تقوم بدراسات أكثر تعمقا في اقتصاديات الشركات. الأمثلة من الضحايا كثيرة، مثل قطاعات المقاولات والصيانة، فهذه حققت أرباحا كبيرة لكنها غير متوازنة، ما خلّ بدورها الاقتصادي، وحتى استمراريتها جزئيا، بسبب الاحتكار والفساد، مثال آخر في شركات الزجاج والورق، حيث استثمرت مبالغ كبيرة دون دراسة للسوق جيدة جزئيا بسبب مفهوم ناقص عن المستوى المطلوب من المنافسة، وإهمال الحوكمة.
نقلا عن الاقتصادية
كثير من الدول النامية ومنها المملكة تنبهت أخيرا للاهتمام بالشركات خاصة بعد درجة من تنظيم مصالح الشركات من خلال مجالس الغرف، وحتى أجهزة حكومية تسعى إلى مساعدة القطاع الخاص. لكن "القطاع الخاص" أصبح مظلة كبيرة تعنى بالتخصيص على اختلاف مسمياته ودرجاته والتشريعات والعمل والاستثمار الأجنبي والعقود الحكومية وتنظيمات تمويله، وأخرى تعنى بالشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن من السخريات أنه في ظل هذا الزخم التنظيمي والاهتمام تجد أن التركيز على حيثيات المحركات الأساسية ناقص، مثل رصد القيمة المضافة ونقل التقنية والخط البياني للحوكمة، وانتقال الشركة العائلية إلى شركات مساهمة وأكثرة استدامة وتعريف عملي للتستر، وتحفيز وإدارة المنافسة والمساعدة على كشف الفساد. الغريب أنه حتى الغرف التجارية ومجلس الغرف أصبحت أجهزة بيروقراطية عامة، غير قادرة على التحليل الاقتصادي، بغرض التوصل إلى سياسات ناجعة تمكنها من التواصل العملي مع الأجهزة العامة، بما يخدم الاقتصاد الجزئي. يتضح من هذا أن هناك عدم تجانس وتعاون على الرغم من قنوات التواصل الرسمية وغير الرسمية، خاصة أن ولي العهد أبدى اهتماما واضحا بالاقتصاد ومقابلة رجال الأعمال والاستماع والتداول معهم.
يؤرقني عدم التجانس والتعاون، لأنهما قاعدة الثقة والتواصل الفاعل للوصول إلى منظومة سلسة في الاقتصاد. أثبتت التجارب في كوريا والآن في الصين أن هذا التعاون والتجانس مفصلي في النجاح الاقتصادي من عدمه، بل اختبار حقيقي للتجربة التنموية برمتها. جاءت في بالي هذه المقالة بعد أن قرأت ورقة بحثية صدرت من صندوق النقد الدولي نشرت في بداية شهر حزيران (يونيو) 2018 تناقش توجها لسيطرة عدة شركات على حصص مؤثرة من الأسواق وتأثير ذلك السلبي في الأرباح والتوظيف والأجور. الورقة تتحدث عن عدة دول، فعلى سبيل المثال تذكر ظاهرة جديدة في أمريكا: على الرغم من تقلص البطالة إلى أن وصلت أقل من 4 في المائة إلا أن الأجور الحقيقية "الاسميه ــ التضخم" لم ترتفع مقارنة بهوامش الأرباح لدى الشركات، وأن تركيز الأرباح في عدة شركات قلص النمو في الإنتاجية ورفع الأسعار على المستهلكين. الواضح أن اقتصاديات الشركات لدينا لا تحظى بمتابعة مماثلة للوقوف على طبيعة النمو ومكوناته الجزئية وتوزيع الأرباح بين الملاك والعاملين.
تنظيميا هناك عدة جهات ترصد أداء بعض الشركات مثل هيئة السوق المالية للشركات المدرجة، لكنها رقابة محاسبية ومالية، وليست من نظر اقتصادي، بينما جزء مؤثر من رؤوس أموال في شركات عائلية أشك في مدى دقة الجهات ذات العلاقة، ناهيك عن التنبه إلى المحتوى الاقتصادي. لعل المؤسسات البحثية مثل كابسارك وبعض الجهات الرقابية مثل CMA وSAMA والجامعات تقوم بدراسات أكثر تعمقا في اقتصاديات الشركات. الأمثلة من الضحايا كثيرة، مثل قطاعات المقاولات والصيانة، فهذه حققت أرباحا كبيرة لكنها غير متوازنة، ما خلّ بدورها الاقتصادي، وحتى استمراريتها جزئيا، بسبب الاحتكار والفساد، مثال آخر في شركات الزجاج والورق، حيث استثمرت مبالغ كبيرة دون دراسة للسوق جيدة جزئيا بسبب مفهوم ناقص عن المستوى المطلوب من المنافسة، وإهمال الحوكمة.
نقلا عن الاقتصادية