بعد مناقشة تفصيلية عن الفصل بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، حان الوقت للتعليق على طبيعة الحوكمة في المملكة، وتلمس طريق أفضل. في نظري، هناك فرق أساس في الحوكمة في الدول المتقدمة عنها في الدول النامية. ففي الدول المتقدمة، يتركز النقاش على الأدوات النظامية والمحاسبية والقانونية، خاصة تلك التي تساعد على الانكشاف والشفافية، بينما في الدول النامية يصعب تفادي طبيعة ودرجة الحراك الاقتصادي والوسط الثقافي، إضافة إلى تحديات الحوكمة في الدول المتقدمة. لا أرى هذه عوامل إحباط، بل هي تحدٍّ نوعي وممتع، ويتضمن فرصا مهنية لمن لديه البوصلة والحرفة والرغبة. إحدى خصائص الوسطين الاقتصادي والمالي في المملكة، أن هناك عدة دوائر اقتصادية مختلفة، تعمل في تجانس، من خلال اعتمادها على الحكومة، لكنها تختلف في ملكيتها وعلاقتها مع القطاع العام، وإداراتها ودرجة تفاعلها معا، ما يجعلها غير متجانسة من نواحٍ أخرى.
هناك اعتماد على الحكومة، وهناك درجة من استقلال هذه الجزر، ما يؤثر في طبيعة إداراتها وحوكمتها. فهناك شركات حكومية مؤثرة في المحتوى والحجم الاقتصادي، وهناك شركات عامة لا تحظى بالحجم أو المحتوى الاقتصاديين، وهناك شركات عامة يسيطر عليها القطاع الخاص، أو له دور مؤثر فيها مثل المصارف، وهناك شركات متوسطة الحال في الأداء، وهناك شركات حالتها المالية لا تسمح بحوكمة فاعلة، مثل أغلب شركات التأمين، وأخيرا هناك شركات عائلية متنوعة الحجم والأداء والحيثيات الاقتصادية، فوكالة تجارية صغيرة تختلف عن شركة مقاولات كبيرة. هذا الاعتماد والتنوع يجعلان تطبيق منظومة حوكمة أمرا يبدو سهلا، لكنه صعب جدا.
إحدى الظواهر الجديرة بالدراسة والتحليل، أن كثيرا من الشركات المساهمة تعاني نقصا واضحا في الحوكمة؛ بسبب سيطرة مجموعات صغيرة من المساهمين على مجالس الإدارات، والاستمرار بما لا يتناسب مع حصتهم من الملكية، وبذلك تكون استفادتهم الاقتصادية على حساب الأغلبية من الملاك، خاصة أن أغلب هذه الشركات متوسطة وصغيرة نسبيا. للظاهرة أسباب كثيرة - كما ذكرنا أعلاه - لكن أحدها جاء بسبب طبيعة الاستثمار في الأسهم؛ إذ إن أغلب الأسهم مع أفراد، وكثير من هؤلاء يملكون أسهما قليلة، أو من قبل تجار أسهم أكثر من كونهم مستثمرين في الشركة، ولذلك "يضيع الدم بين القبائل"، وتصبح المسافة بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة محدودة، كتعبير عن العلاقة غير المتوازنة بين الملكية والإدارة، فغالبا ما تكون السيطرة لواحد منهم على الآخر بشكل أو بآخر، فيصبح نموذج الإدارة استغلاليا على حساب التجاري.
حتى مع تغيير التصويت لم يحدث تغيير مؤثر في أساليب السيطرة الضيقة. من أسباب الظاهرة أيضا، عدم الاستعداد للفصل بين قضايا الفساد والحوكمة، كما حدث في عدد من الشركات، والتعامل معها باحتراز كرسائل للوسط المالي. هناك اختلافات جوهرية في طبيعة الشركات الوطنية، ما يجعل سياسة وإجراءات حوكمة عامة على درجة عالية من التجانس أمرا صعبا، على الرغم من محاولات هيئة السوق المالية الخجولة. في نظري، تعديل البيئة الاقتصادية والانكشاف والشفافية في العقود - كما تسعى إليه وزارة المالية في العقود من خلال منصة "اعتماد" - خطوة مؤثرة أهم من إجراءات الهيئة، العامل الآخر المؤثر هو مدى درجة المنافسة في قطاع الأعمال والاقتصاد عموما.
تفعيل المنافسة والانكشاف في العقود الحكومية يرتقيان بالبيئة العامة، ويجعلان حوكمة الشركات أسهل؛ حيث هناك علاقة إيجابية بين الأداء والحوكمة، فالاستقامة والفعالية في إدارة الأصول في صلب الحوكمة. المنافسة الصحية والأداء الرتيب للشركات يقطعان أكثر من نصف الطريق نحو حوكمة فاعلة، وبعدها نكون مستعدين للمدار الأعلى من الحوكمة أسوة بالدول المتقدمة، على أمل أن ترتقي هيئة السوق المالية والهيئات الرقابية الأخرى في الرصد والدقة والوعي. إجرائيا، لعله من الأفضل تنوع متابعة تطور الحوكمة باختلاف نوعية الشركات؛ حتى نصل إلى درجة أعلى من التجانس في إيجاد القيمة المضافة، وسلاسة انتقال رؤوس الأموال، والمعرفة بين هذه الدوائر الاقتصادية. عمليا؛ بعيدا عن الأطر والأنظمة، ستعتمد درجة الحوكمة لدينا على استقامة ومسألة النخب والثقافة العامة والدقة في المجتمع؛ حيث هناك بعدان ثقافي واجتماعي.
أحيانا هناك مَن هو حريص على المتطلبات الشكلية والرسمية دون غوص في الحيثيات الجوهرية، والسبب يعود إلى الفضاءات والمساحات في أداء الشركات والعلاقة بين الاقتصادين الكلي والجزئي. الحديث عن الفصل في حالتنا دون تعديل البيئة العامة، قد يأخذ بالشكل على حساب المضمون، والأمثلة ليست قليلة.
نقلا عن الاقتصادية
هناك اعتماد على الحكومة، وهناك درجة من استقلال هذه الجزر، ما يؤثر في طبيعة إداراتها وحوكمتها. فهناك شركات حكومية مؤثرة في المحتوى والحجم الاقتصادي، وهناك شركات عامة لا تحظى بالحجم أو المحتوى الاقتصاديين، وهناك شركات عامة يسيطر عليها القطاع الخاص، أو له دور مؤثر فيها مثل المصارف، وهناك شركات متوسطة الحال في الأداء، وهناك شركات حالتها المالية لا تسمح بحوكمة فاعلة، مثل أغلب شركات التأمين، وأخيرا هناك شركات عائلية متنوعة الحجم والأداء والحيثيات الاقتصادية، فوكالة تجارية صغيرة تختلف عن شركة مقاولات كبيرة. هذا الاعتماد والتنوع يجعلان تطبيق منظومة حوكمة أمرا يبدو سهلا، لكنه صعب جدا.
إحدى الظواهر الجديرة بالدراسة والتحليل، أن كثيرا من الشركات المساهمة تعاني نقصا واضحا في الحوكمة؛ بسبب سيطرة مجموعات صغيرة من المساهمين على مجالس الإدارات، والاستمرار بما لا يتناسب مع حصتهم من الملكية، وبذلك تكون استفادتهم الاقتصادية على حساب الأغلبية من الملاك، خاصة أن أغلب هذه الشركات متوسطة وصغيرة نسبيا. للظاهرة أسباب كثيرة - كما ذكرنا أعلاه - لكن أحدها جاء بسبب طبيعة الاستثمار في الأسهم؛ إذ إن أغلب الأسهم مع أفراد، وكثير من هؤلاء يملكون أسهما قليلة، أو من قبل تجار أسهم أكثر من كونهم مستثمرين في الشركة، ولذلك "يضيع الدم بين القبائل"، وتصبح المسافة بين الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة محدودة، كتعبير عن العلاقة غير المتوازنة بين الملكية والإدارة، فغالبا ما تكون السيطرة لواحد منهم على الآخر بشكل أو بآخر، فيصبح نموذج الإدارة استغلاليا على حساب التجاري.
حتى مع تغيير التصويت لم يحدث تغيير مؤثر في أساليب السيطرة الضيقة. من أسباب الظاهرة أيضا، عدم الاستعداد للفصل بين قضايا الفساد والحوكمة، كما حدث في عدد من الشركات، والتعامل معها باحتراز كرسائل للوسط المالي. هناك اختلافات جوهرية في طبيعة الشركات الوطنية، ما يجعل سياسة وإجراءات حوكمة عامة على درجة عالية من التجانس أمرا صعبا، على الرغم من محاولات هيئة السوق المالية الخجولة. في نظري، تعديل البيئة الاقتصادية والانكشاف والشفافية في العقود - كما تسعى إليه وزارة المالية في العقود من خلال منصة "اعتماد" - خطوة مؤثرة أهم من إجراءات الهيئة، العامل الآخر المؤثر هو مدى درجة المنافسة في قطاع الأعمال والاقتصاد عموما.
تفعيل المنافسة والانكشاف في العقود الحكومية يرتقيان بالبيئة العامة، ويجعلان حوكمة الشركات أسهل؛ حيث هناك علاقة إيجابية بين الأداء والحوكمة، فالاستقامة والفعالية في إدارة الأصول في صلب الحوكمة. المنافسة الصحية والأداء الرتيب للشركات يقطعان أكثر من نصف الطريق نحو حوكمة فاعلة، وبعدها نكون مستعدين للمدار الأعلى من الحوكمة أسوة بالدول المتقدمة، على أمل أن ترتقي هيئة السوق المالية والهيئات الرقابية الأخرى في الرصد والدقة والوعي. إجرائيا، لعله من الأفضل تنوع متابعة تطور الحوكمة باختلاف نوعية الشركات؛ حتى نصل إلى درجة أعلى من التجانس في إيجاد القيمة المضافة، وسلاسة انتقال رؤوس الأموال، والمعرفة بين هذه الدوائر الاقتصادية. عمليا؛ بعيدا عن الأطر والأنظمة، ستعتمد درجة الحوكمة لدينا على استقامة ومسألة النخب والثقافة العامة والدقة في المجتمع؛ حيث هناك بعدان ثقافي واجتماعي.
أحيانا هناك مَن هو حريص على المتطلبات الشكلية والرسمية دون غوص في الحيثيات الجوهرية، والسبب يعود إلى الفضاءات والمساحات في أداء الشركات والعلاقة بين الاقتصادين الكلي والجزئي. الحديث عن الفصل في حالتنا دون تعديل البيئة العامة، قد يأخذ بالشكل على حساب المضمون، والأمثلة ليست قليلة.
نقلا عن الاقتصادية