صدر قبل ثلاثة أسابيع تقريبا قرار مجلس الوزراء بتحويل وحدة تنمية الإيرادات غير النفطية إلى مركز باسم "مركز تنمية الإيرادات غير النفطية". ثم نشرت صحيفة "أم القرى"، قبل ثلاثة أيام لوائح وأنظمة الترتيبات التنظيمية للمركز. وتضمنت التعريف بالمركز وأهدافه، وتشكيل مجلس إدارته، وميزانيته، وموارده، وطريقة تعيين منسوبيه. يهدف المركز إلى مساعدة الدولة على تنمية إيراداتها غير النفطية، من خلال دراسة تطبيق مبادرات ونماذج ومنهجيات وأدوات من جهة، وطرح أفكار في تحسين وتطوير إجراءات تحصيل للإيرادات، من جهة أخرى. والهدف من كل ذلك تحقيق ما يمكن تحقيقه في الاستدامة المالية، وتنويع مصادر إيرادات الدولة.
ولفت انتباهي إلى أن منسوبي المركز يخضعون لنظام العمل، ومن ثم لنظام التأمينات الاجتماعية. لن أدخل في مناقشات طبيعتها التطوير الإداري الحكومي، لكنني أشير إلى أمرين: الأول أن في - أو كان في - وزارة المالية، المركز الوطني للمعلومات المالية والاقتصادية، الذي عملت فيه سنوات عديدة. أنشئ هذا المركز بمعونة فنية أمريكية في عهد الملك خالد، وعمل فيه خبراء اقتصاديون مؤهلون تأهيلا عاليا، غالبيتهم العظمى من ذوي الجنسية الأمريكية. وبعضهم كانوا خبراء في وزارة الخزانة الأمريكية.
كان هذا المركز في حكم الذراع المعلوماتية والبحثية الاقتصادية لوزارة المالية خاصة وللدولة عامة. وأنتج مئات الدراسات العالية المستوى. وتبعا، كان يفترض أن كان اسمه المركز الوطني للمعلومات والدراسات المالية والاقتصادية. ولا علم لي بما حصل له في السنوات الأخيرة، لكن تجربة إنشائه وما مر به من تطورات ونقاط قوة وضعف مفيد جدا الاستفادة منها في مركز تنمية الإيرادات غير النفطية. أما الأمر الآخر، فإنه مخطط أن يعمل في مركز تنمية الإيرادات مستشارون رفيعو المستوى. وهناك أجهزة حكومية اقتصادية طبيعة أعمالها تتطلب وجود مستشارين اقتصاديين من ذوي المستويات العالية. وهنا، قد يكون من الأنسب جمع الإدارات الاستشارية في مركز استشاري اقتصادي واحد، ليخدم عدة جهات حكومية.
وفي هذا، قد يكون من المناسب أولا الرجوع إلى تجربة المركز الوطني للمعلومات المالية والاقتصادية، للاستفادة من جوانب القوة، وتلافي جوانب الضعف. والتجربة كانت طويلة وثرية جدا. وثانيا الاستفادة من كفاءات اقتصادية وطنية، بما في ذلك متقاعدون، خاصة من كانوا أساتذة في جامعات، وجمعوا معها خبرات عملية. إن تنمية الإيرادات غير النفطية ركن أساسي لتطوير عدة جوانب وعناصر في المجتمع، يجمع بينها التحسب للمستقبل البعيد؛ أي التحسب لمصالح الأجيال المقبلة- بإذنه سبحانه-: الاقتصاد الوطني، مالية الدولة، الموارد البشرية الوطنية، تعويد المجتمع على إعطاء قيمة أكبر للمال وتحصيله، تقليل إدماننا على دخل النفط. هذه قضية ليست موضع جدال بين علماء التنمية الاقتصادية والمتعمقين في تاريخ الحضارات.
ليس من مصلحة الوطن على المدى البعيد الركون إلى مورد طبيعي زائل نرتزق منه بلا تعب، بل نعمة من الرزاق سبحانه، لكن الله سبحانه أمر عباده بالعمل، والسعي في عمارة الأرض، والنظر إلى مصالحهم على المدى البعيد. والسماء لا تمطر ذهبا. تساعد على فهم ما سبق الإجابة عن السؤالين التاليين: ما الخدمات المطلوبة من الدولة؟ وما مصدر تمويل هذه الخدمات؟ الخدمات المطلوبة اتسعت اتساعا عظيما بعد ظهور الثورة الصناعية، ودخول الآلة في حياة الناس.
بقيت دول الخليج في مأمن نسبي، فقد كنا في فقر شديد، ثم مَنَّ الله علينا بالنفط، وكانت دخوله كافية تقريبا، لكنها لم تعد كذلك مع مرور الوقت، وتوسع الاقتصادات، وتعقد الحياة، وتزايد السكان، وتوسع الخدمات المطلوبة من الدول وارتفاع تكاليفها. وليس من المفضل أن تتوسع حكومات دول الخليج في منافسة القطاع الخاص بمزيد من ممارسة التجارة، فدول الخليج ليست اشتراكية، لكن رقابة سلامة ممارسات القطاع الخاص من واجبات الحكومات.
أما على المدى البعيد، فليس من مصلحة الأجيال المقبلة استمرار من قبلهم في الإدمان على النفط، خاصة مع كونه مصدرا ناضبا وتهدد أهميته بدائل الطاقة. وسبق أن كتبت مقالا في هذه الصحيفة عن هذه النقاط السابقة، نشر في الثامن من يناير لهذا العام، تحت عنوان: فهم مالية الدولة قبل الإفتاء في الضرائب والرسوم .. وليس العكس. www.aleqt.com/2018/01/08/article_1311286.html ما سبق يفتح باب الحديث عن جودة وكفاءة الفرص. والمقام لا يتسع للحديث عنها، بالتفصيل. وأذكر هنا عناوين مختارة: تفهُّم جيد للتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية، أساس القدرة وأساس العدالة، تكلفة التحصيل، الموازنة بين الدخل والثروة، تفهُّم تكاليف الفرصة، جودة المنافع المحققة.
نقلا عن الاقتصادية
ولفت انتباهي إلى أن منسوبي المركز يخضعون لنظام العمل، ومن ثم لنظام التأمينات الاجتماعية. لن أدخل في مناقشات طبيعتها التطوير الإداري الحكومي، لكنني أشير إلى أمرين: الأول أن في - أو كان في - وزارة المالية، المركز الوطني للمعلومات المالية والاقتصادية، الذي عملت فيه سنوات عديدة. أنشئ هذا المركز بمعونة فنية أمريكية في عهد الملك خالد، وعمل فيه خبراء اقتصاديون مؤهلون تأهيلا عاليا، غالبيتهم العظمى من ذوي الجنسية الأمريكية. وبعضهم كانوا خبراء في وزارة الخزانة الأمريكية.
كان هذا المركز في حكم الذراع المعلوماتية والبحثية الاقتصادية لوزارة المالية خاصة وللدولة عامة. وأنتج مئات الدراسات العالية المستوى. وتبعا، كان يفترض أن كان اسمه المركز الوطني للمعلومات والدراسات المالية والاقتصادية. ولا علم لي بما حصل له في السنوات الأخيرة، لكن تجربة إنشائه وما مر به من تطورات ونقاط قوة وضعف مفيد جدا الاستفادة منها في مركز تنمية الإيرادات غير النفطية. أما الأمر الآخر، فإنه مخطط أن يعمل في مركز تنمية الإيرادات مستشارون رفيعو المستوى. وهناك أجهزة حكومية اقتصادية طبيعة أعمالها تتطلب وجود مستشارين اقتصاديين من ذوي المستويات العالية. وهنا، قد يكون من الأنسب جمع الإدارات الاستشارية في مركز استشاري اقتصادي واحد، ليخدم عدة جهات حكومية.
وفي هذا، قد يكون من المناسب أولا الرجوع إلى تجربة المركز الوطني للمعلومات المالية والاقتصادية، للاستفادة من جوانب القوة، وتلافي جوانب الضعف. والتجربة كانت طويلة وثرية جدا. وثانيا الاستفادة من كفاءات اقتصادية وطنية، بما في ذلك متقاعدون، خاصة من كانوا أساتذة في جامعات، وجمعوا معها خبرات عملية. إن تنمية الإيرادات غير النفطية ركن أساسي لتطوير عدة جوانب وعناصر في المجتمع، يجمع بينها التحسب للمستقبل البعيد؛ أي التحسب لمصالح الأجيال المقبلة- بإذنه سبحانه-: الاقتصاد الوطني، مالية الدولة، الموارد البشرية الوطنية، تعويد المجتمع على إعطاء قيمة أكبر للمال وتحصيله، تقليل إدماننا على دخل النفط. هذه قضية ليست موضع جدال بين علماء التنمية الاقتصادية والمتعمقين في تاريخ الحضارات.
ليس من مصلحة الوطن على المدى البعيد الركون إلى مورد طبيعي زائل نرتزق منه بلا تعب، بل نعمة من الرزاق سبحانه، لكن الله سبحانه أمر عباده بالعمل، والسعي في عمارة الأرض، والنظر إلى مصالحهم على المدى البعيد. والسماء لا تمطر ذهبا. تساعد على فهم ما سبق الإجابة عن السؤالين التاليين: ما الخدمات المطلوبة من الدولة؟ وما مصدر تمويل هذه الخدمات؟ الخدمات المطلوبة اتسعت اتساعا عظيما بعد ظهور الثورة الصناعية، ودخول الآلة في حياة الناس.
بقيت دول الخليج في مأمن نسبي، فقد كنا في فقر شديد، ثم مَنَّ الله علينا بالنفط، وكانت دخوله كافية تقريبا، لكنها لم تعد كذلك مع مرور الوقت، وتوسع الاقتصادات، وتعقد الحياة، وتزايد السكان، وتوسع الخدمات المطلوبة من الدول وارتفاع تكاليفها. وليس من المفضل أن تتوسع حكومات دول الخليج في منافسة القطاع الخاص بمزيد من ممارسة التجارة، فدول الخليج ليست اشتراكية، لكن رقابة سلامة ممارسات القطاع الخاص من واجبات الحكومات.
أما على المدى البعيد، فليس من مصلحة الأجيال المقبلة استمرار من قبلهم في الإدمان على النفط، خاصة مع كونه مصدرا ناضبا وتهدد أهميته بدائل الطاقة. وسبق أن كتبت مقالا في هذه الصحيفة عن هذه النقاط السابقة، نشر في الثامن من يناير لهذا العام، تحت عنوان: فهم مالية الدولة قبل الإفتاء في الضرائب والرسوم .. وليس العكس. www.aleqt.com/2018/01/08/article_1311286.html ما سبق يفتح باب الحديث عن جودة وكفاءة الفرص. والمقام لا يتسع للحديث عنها، بالتفصيل. وأذكر هنا عناوين مختارة: تفهُّم جيد للتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية، أساس القدرة وأساس العدالة، تكلفة التحصيل، الموازنة بين الدخل والثروة، تفهُّم تكاليف الفرصة، جودة المنافع المحققة.
نقلا عن الاقتصادية