منهج وسلوك المحكم

26/06/2018 0
د. عبد القادر ورسمه غالب
من أهم مميزات التحكيم أنه يمثل “إرادة الأطراف” في اللجوء وبكل حرية للتحكيم كأحد البدائل المتوفرة لتسوية المنازعات التجارية التي تنشأ بين الأطراف، وفي حقيقة الأمر، التحكيم في الوقت الحاضر يمثل أهم هذه البدائل التي يتزايد اللجوء إليها في قطاع الأعمال. و”المحكم” يمثل رأس الرمح في التحكيم، وعلى الأطراف ومراكز التحكيم، أخذ كل الحذر عند النظر في تعيين أو اختيار “المحكم“ نظرا لجسامة الدور الذي يقوم به. إن سلوك المحكم يؤدي بأطراف الدعوى لقبول “قرار” التحكيم النهائي، أو يحدث العكس بعدم قبوله ورفضه بالطعن بالنقض. وهذا سيؤدي إلى نسف الجهود التي تمت أثناء التحكيم، وصرنا كمن يحرث في البحر. وحتى لا تحدث مثل هذه المفاجآت ويتم الوصول بمنهج التحكيم لبر الأمان وتحقيق العدالة، يجب التمسك بمبادئ وقواعد السلوك وأخلاقيات المهنة التي يجب توفرها في “المحكم”، بل يجب أن تكون الأهداف الأساسية متجذرة في ضميره ووجدانه، وفي كل خطواته ومجمل أفكاره.

لأهمية هذه الممارسات ولدعم التحكيم، قامت جهات بإعداد قواعد للاسترشاد بها. وهي قواعد أخلاقيات وسلوك يمكن الاستئناس بها والتقيد باتباعها بواسطة كل “محكم”. وإضافة لهذا، من المستحسن أن يقوم كل مركز تحكيم بإصدار توجيهات معينة تلزم كل محكم يتعامل مع المركز الالتزام بها وتنفيذها. من واقع ممارستنا في التحكيم، وبالاطلاع على الدراسات والبحوث والمناقشات مع العديد من المحكمين وبالرجوع لبعض (الأحكام) الهامة، نخلص إلى أن منهج وقواعد السلوك التي يجب التمسك بها بواسطة كل محكم، تتمحور في:
عدم السعي الشخصي للتعيين كمحكم، وعليك ترك هذا الأمر لمقراتك وإمكانياتك المهنية. وعليك عدم قبول مهمة التحكيم إلا بعد التأكد من توفر القدرة المهنية التي تؤهلك للقيام بمهمة التحكيم، ومن الأهمية التزام المحكم بهذا الأمر. وأن لا يتم قبول التحكيم إلا بعد التأكد من توفر المقدرة التي تمكن من القيام بهذه المهمة. هذا، مع ضرورة التفرغ للموضوع حتى لا تكون سببا في تأخير الفصل في النزاع، وهذا يتطلب المعرفة التامة بلغة التحكيم والأمور المرتبطة بإجراءاته.

ويجب على المحكم الإفصاح التام عن كل ما يؤثر على حياده. وينصب الالتزام بالإفصاح على ما هو سابق على قبول المحكم لمهمة التحكيم وما هو لاحق، ويشترط أن يكون الإفصاح كتابيا يتم توجيهه للأطراف وللمحكمين وحتى يكون حجة على مقدمه.

وطبقا لاتفاق التحكيم، يجب أن يلتزم المحكم بعدم تجاوز حدود “مهمة التحكيم” سواء بالزيادة أو النقصان وهذا يتناول كل ما تم الاتفاق عليه في اتفاق أو مشارطة التحكيم المتفق عليها. وقاعدة الحياد والاستقلال هامة وتقتضي أن يتوخى المحكم في عمله الحياد التام. و”الحياد” و”الاستقلال” مصطلحان مختلفان عن بعضهما البعض وغير متطابقين. والمقصود بالحياد التجرد لدى التعامل مع التحكيم، وينتفي الحياد عندما يحابي المحكم أحد الأطراف أو يقدم رأيا مسبقا في النزاع.

والمقصود بالاستقلال هو ألا يكون المحكم تابعا في عمله لغيره أو يتلقى أي تعليمات خارجية بخصوص التحكيم، وفي جميع الأحوال ينتفي الاستقلال إذا ارتبط المحكم بأحد الأطراف أو بأحد أقربائهم بأي علاقة. ويجب احترام قاعدة المساواة بين أطراف التحكيم في كل ما يتصل به كالتزام المحكم بتمكين كل طرف من أن يستعين بمستشار، وحظر استلام الهدايا أو العطايا أو أي مزايا بطريق مباشر أو غير مباشر من أي من أطراف التحكيم سواء كانت سابقة أو لاحقة على الفصل في التحكيم ما دامت مرتبطة به. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن معظم أسباب الطعن بالنقض في قضايا التحكيم تدور حول الحياد والاستقلال، فلننتبه. ولا بد من الامتناع التام عن الاتصال المباشر بأي طرف على حدة، وإذا حدث أي نوع من الاتصال في أي وقت يجب العمل على إعلام الطرف الآخر أو المحكمين الآخرين شفاهه أو كتابة و مدهم بصورة من المراسلات. ويرتبط بهذا التزام آخر يتمثل في عدم مباشرة أي ضغط على أي طرف من أطراف التحكيم. ولا يعد بمثابة الضغوط المحظورة دعوة أطراف النزاع لدراسة تسوية ودية وإنما المحظور هو مشاركة المحكم في جلسات التسوية دون موافقة الأطراف المختصة بالنزاع.

ولا بد من العمل على عدم الاستفادة من المعلومات التي يحصل عليها المحكم أثناء التحكيم من أجل تحقيق أي مغنم أو مكسب لنفسه أو للغير وهذا يستدعي، كما يقولون، (نفض اليد تماما) وترك كل ما يتعلق بالتحكيم وتفاصيله ومساراته داخل قاعات التحكيم إلى ما لا نهاية.

وعلى المحكم أن يلتزم بالحفاظ على سرية المداولات والقرارات وألا يفصح المحكم عن أي معلومات من شأنها النيل من أو المساعدة في النيل من القرار بأي صورة من الصور أو حتى المشاركة في أي إجراء تحكيمي لاحق في نفس الموضوع ما لم يلزمه القانون بذلك لأن الإفصاح في بعض الحالات قد يتم وفق القانون أو بموجب توجيهات المحاكم القضائية. على المحكم النأي بنفسه والابتعاد تماما عن التأثر بالضغوط الخارجية والإشاعات والخوف من الانتقاد والاستعداد لمقابلة كل ما يطرأ من ظروف أو مواقف بالشجاعة التامة المقرونة بالحكمة مع الحرص دائما على درء شبهة تحقيق أية مصالح شخصية على حساب العدالة، التي من أجلها تم اللجوء للتحكيم. هذه بعض الموجهات الأساسية وعلينا، وكحد أدنى، التقيد بها للوصول بالتحكيم لمرماه تحقيقا للعدالة الناجزة وتسوية للمنازعات بين الأطراف.