عند الإغلاق الأسبوعي تراجعت أسعار النفط بحدّة وانخفض خام برنت الى 73.44 دولاراً للبرميل ، وانخفض خام غرب تكساس (نايمكس) إلى 65.06 دولاراً للبرميل وتقلص الفارق بينهما إلى 8.38 دولاراً. غالبية محللي أسواق النفط فسرّوا هذا الإنخفض إلى التراجع في أنشطة التكرير الصينية وبلوغ إنتاج الخام الأمريكي مستوى قياسياّ عند 10.9 مليون برميل يوميا - ولكن تراجع الأسعار جاء بسبب حالة من عدم اليقين بُثّت في أسواق النفط بعد اصدار تقرير منظمة أوبك الشهري الذي أشار إلى هيمنة حالة من عدم اليقين على الأسواق في النصف الثاني من هذا العام - في الوقت الذي يُفترض ان تراعي تقارير منظمة أوبك الشهريّة مصالح اعضائها من دول الإنتاج ، ولكن التقرير أفاد بأن ضبابيّة شديدة تكتنف آفاق اسواق النفط في النصف الثاني من العام الحالي، رغم أن أرقام التقرير وبياناته تُظهر تصريف تخمة المعروض العالمي وتراجع المخزونات.
علاوة على ذلك، تقرير أوبك الشهري ترك التوقعات لنمو الطلب العالمي هذا العام دون تغيير ولم يعكس النمو الاقتصادي العالمي القوي الذي ساعد على التخلص من وفرة النفط. جاء التقرير الشهري غريب ومتناقض بالرغم من أن أرقامه وبياناته اشارت الى أن مخزونات النفط انخفضت في شهر أبريل المنصرم إلى 26 مليون برميل دون متوسط الخمس سنوات، حيث كانت المخزونات قد بلغت 340 مليون برميل فوق المتوسط في يناير عام 2017 - وأن أساسيات السوق القوية التي نتجت هن نجاح اتفاقية خفض إنتاج أوبك+ التاريخي بعد مضي 18 شهرا وتوازن السوق أخذت متوسط خام برنت إلى 70 دولار لشهر مايو المنصرم لأول مرة منذ عام 2014.
وبعد كل هذه المعطيات، يستخدم تقرير منظمة أوبك الشهري مصطلحات ومفردات سلبية لاتعكس بياناته وأرقامه الصعودية والتي تعكس أساسيات السوق القوية وانتهاء الوفرة العالمية - خاصّة ماجاء في بداية المقال الإفتتاحي للتقرير والذي تناقله كثيرا الإعلام النفطي الغربي: "أدت التطورات الأخيرة في سوق النفط إلى عدم اليقين حول النصف الثاني من العام"، مما بثّ حالة من الضبابية في السوق قبيل الإجتماع!
كيف يمكن أن تتناقض مفردات تقرير أوبك مع بيانات كامل التقرير والتي تراجعت الأسعار بسببها؟ بينما يتم اصدار تقرير أوبك شهريًا لتقديم إرشادات واضحة لجميع الأطراف العالمية في صناعة النفط وتحتوي صياغته على استنتاجات وتوجيهات مهمّة، ولذلك كان من المُفترض توخي الحذر في انتقاء الكلمات، حيث أن هذه المصطلحات المستخدمة في تقرير أوبك الشهري ولّدت الشكوك بعدم اليقين واحتمالية عودة المزيد من المعروض إلى السوق، وكان ذلك مُربكاً للسوق ، خصوصا في ظل نقص الإمدادات وسط العقوبات الأمريكية التي سوف تحدّ من الصادرات الإيرانية إلى جانب احتمال حدوث المزيد من الإنخفاضات في إنتاج النفط الفنزويلي.
بينما في الجهة المقابلة جاء تقرير وكالة الطاقة الدولية والتي تراعي مصالح أعضائها من دول الإستهلاك عكس ذلك، حيث جاء تقريرها الشهري يعكس تأثير النمو الإقتصادي على زيادة الطلب العالمي على النفط الذي سيسجل نمواً مطرداً في عام 2019 بفضل متانة الإقتصاد العالمي واستقرار الأسعار. كما عدّلت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لزيادة الطاقة التكريرية العالمية في عامي 2018 و 2019 - حيث توقعت زيادة الطاقة التكريرية في 2018 بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً، مقارنةً مع التقديرات السابقة البالغة 1.3 مليون برميل يومياً.
العالم ينتظر نتائج اجتماع أوبك، ومن المُتَوقع أن تقوم أوبك بتغيير استراتيجيتها وتخفيف التخفيضات في الإنتاج للتعويض عن نقص الإمدادات - وسيكون للإجتماع الـ 174 لأوبك جدول أعمال مزدحم بالعديد من التحدّيات ، ولذلك كان المُفترض من تقريرها الشهري تمهيد الطريق لعقد اجتماع سلس يُكمل مسيرة نجاح اتفاقية خفض الإنتاج ونسب الإمتثال غير المسبوقة ، حيث أن هذا هو الوقت المناسب للتركيز على دراسة حاجة السوق من تعديل او تغيير الإتفاقية - اذا فلماذا بثّت أوبك حالة من عدم اليقين والضبابية للسوق قبيل الإجتماع؟
خاص_الفابيتا