التكلفة والسعودة...

05/06/2018 3
ناصر ناقرو

منذ أكثر من عقدين وضعت دراسات وخطط تحوليه لغرض خفض نسب البطالة بين السعوديين وخفض نسبة الاعتماد على الأيادي العاملة الأجنبية. لا نستطيع الجزم بأن تلك البرامج والخطط لم تنجح، وذلك بسبب تغير ديناميكية السوق المستمرة. حيث يسيطر قانون العرض والطلب على كل المتغيرات في عالم القطاع الخاص أو الاقتصاد الجزئي بشكل عام!

ومن غير العمل على تغيير محددات العرض والطلب، فلن تفلح البرامج والدراسات حتى لو اتسمت بدقة عالية! وتبعًا لذلك فإن من أهم المتغيرات التي تؤثر على العرض والطلب هي الكلفة! فمتى ما ارتفعت التكلفة انخفض الطلب وقل المعروض، مع ثبات المتغيرات الاقتصادية الأخرى. ولعلنا نرى ذلك جليًا في خطة السعودة الحالية ضمن برامج التحول الوطني٢٠٣٠. حيث وضعت رسوم على نظام الكفالة وتجديد الإقامات النظامية.

وعليه يجب الإشادة والتنويه من أنه في الأسواق الحرة التي تزداد فيها الكفاءة والشفافية، لا نستطيع افتراض أمر معين! إذ سيجد السوق طريقته المثلى للتملص من تلك الأنظمة! ليس في ظل وضع الرسوم أو زيادة التكلفة، إذ يكون للسوق الحر حينها القرار أما في خفض التكاليف عن طريق إحلال المواطنين أو الإبقاء على الأجنبي مع دفع التكاليف!

 إن مشكلة البطالة لدينا تتلخص في نقطتين، الأولى عدم تكافؤ قيمة الأجور بين اليد العاملة الأجنبية والسعودية، في الوظائف ذات الأجر المتدني والمتوسط، هذا الأمر الذي ينظم حل مشكلته ضمن أهداف برنامج التحول الوطني ٢٠٣٠. إذ أن المبتغى من تلك الرسوم هو تسوية كلفة الموظف الأجنبي مع السعودي، ولقد بدأنا نرى ثمار ذلك في توفر المزيد من الفرص الوظيفية للمواطنين.

أما النقطة الثانية فهي فلسفية بحته، حيث يفضل بعض أرباب العمل أيادي العمالة الاجنبية لأسباب مختلفة منها، القناعة بأن الأجنبي ينجز أكثر من السعودي، وبأنه يمكن التحكم في الموظف الأجنبي في الإجازات، وتحمله أوقات ضغط العمل وأعمال إضافية ليست مسندة في مهامه، إضافة إلى أن بعض أعمال الغش والتستر قد يتغاضى عنها الموظف الأجنبي كون أنه مأمور وليس مسؤول.

ويمكن حل تلك النقطة ببساطه في زيادة التكلفة على كلا من رب العمل والموظف من خلال وضع نفس الآلية المتبعة من نظام وزارة العمل على اليد العاملة السعودية والأجنبية على حد سواء! نظام وزارة العمل الحالي هو كالتالي/ بالنسبة للموظف السعودي يقتطع من راتبه الأساسي مضاف عليه بدل السكن ما مجموعه ٢٢% مقسمة على ١٢% تدفع من قبل رب العمل و١٠% من قبل الموظف حيث: ٢% نسبة إصابة عمل، ٢% برنامج ساند و١٨% للتقاعد.

أما بالنسبة للموظف الأجنبي فهي فقط ٢% إصابة عمل، وتخصم من قبل رب العمل وليس الموظف! وهنا يكمن الخلل فبحسبة بسيطة نرى أن تكلفة الموظف المواطن أعلى بكثير من الموظف الأجنبي، ثم أضف عليها المؤثرات الفلسفية المذكوره أعلى!

وعليه لنحل أزمة البطالة بين السعوديون في الوظائف العليا والتنفيذية يجب علينا تطبيق آلية اشتراكات التأمينات الاجتماعية على الموظف الأجنبي مثله مثل الموظف السعودي تماما. وقد يقول شخص أن تلك الاشتراكات تعود للموظف في حالة التقاعد وليس على الفور للموظف الأجنبي، وذلك صحيح لكن يمكن استخدام تلك المبالغ المحصلة في استحداث برامج تدريب وتأهيل للحد من البطالة أو استخدامات أخرى متنوعة.

لنتحدث بلغة الأرقام! بناء على تقرير هيئة الإحصاء العامة بلغ التعداد السكاني للسعوديين لعام ٢٠١٦ (٢٠،٠٨١،٥٨٢) مقابل (١١،٧٠٥،٩٩٨) غير سعودي! وبلغت نسبة البطالة في السعوديين ١٢.٣٠٪ أي (٢،٤٧٠،٠٣٥)، مقابل ٠.٥٪ لغير السعوديين أي (٥٨،٥٣٠)! وبناء على تقرير التأمينات الاجتماعية لعدد المشتركين في الربع الرابع من عام ٢٠١٧، بلع عدد المشتركين غير السعوديين الذين يفوق أجرهم "الراتب" عن (١٠،٠٠٠) ألف ريال (٢٤٢٨٤٤)! وعليه لنفترض جدلاً من أنه تم سعودة جميع الوظائف التي تفوق في أجرها الـ (١٠،٠٠٠) ريال، إذا بحسبة بسيطة ستتناقص نسبة البطالة بين السعوديين بمقدار ١.٢٪ وهو رقم مهول وليس ببسيط!

الهدف من البرنامج المقترح هو أن يتساوى العرض للموظف السعودي مع الموظف الأجنبي. ويجب التنويه أن مثل هذا النظام لا يفرض أمر على السوق، كوننا نريد أسواق حرة منتجة غير محتكرة. مثلا لو وجد عمل ما لا يستطيع شغله غير أجنبي لأسباب مختلفة مثلاً الكفاءة، إذاً سيكون العائد أعلى من الكلفة وعليه يوظف الأجنبي. كما يجب التنويه على أعفاء ريادي الأعمال السعوديين من ذلك، كونه ضمن خطط برنامج التحول الوطني 2030 بغرض زيادة حجم القطاع الخاص. والهدف من البرنامج المقترح هو تحقيق تنمية اقتصادية، وخلق مزيد من فرص العمل لكل من شباب وشابات الوطن. أخيرا، يجب التنويه من أن البرنامج المقترح يضمن قوه للسياسة النقدية إذ ستتناقص التحويلات الخارجية بشكل ملحوظ، الأمر الذي يعزز دوران النقد أكثر داخل الإقتصاد السعودي.

خاص_الفابيتا