فقاعة البتكوين؟

15/11/2017 3
ناصر ناقرو

كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن العملات الإلكترونية وخصوصا عملة البتكوين. إذ أصبحت حديث ومجال بحث لكلا من المفكرين، الاقتصاديين، علماء الاجتماع والسياسيين. الكل وبلا استثناء وجدوا صعوبة في فهم معضلة العملات الإلكترونية كيف أن شيئا ليس له وجود حسي ملموس مثل البتكوين يصبح له قيمة تتجاوز الخمسة الآف دولار! وكيف أصحبت البتكوين مقبولة بين الناس كنوع من أنواع المقايضة في البيع والشراء؟ والأهم من هذا كله، هل يوجد فعلا قيمة حقيقية عادلة للبتكوين؟ وإن كان فما هي؟ وهل يعتبر البتكوين مجرد فقاعة أو مقامرة ستتلاشى مع مرور الوقت؟ للجواب على جميع التساؤلات علينا أولا فهم حقيقة البتكوين خاصة والعملات الإلكترونية الأخرى بشكل عام. وكذلك يجب فهم ومعرفة المزايا التي تقدمها البتكوين وتبعا لذلك نستطيع تحديد قيمتها الحقيقية والعادلة. والجدير بالذكر من أنه كان هنالك محاولات عده من اقتصاديين في صنع نماذج تستطيع استنتاج القيمة للبتكوين. جميع تلك المحاولات فشلت دون استثناء رغم الإبداعية في التفكير والإنشاء! والسبب في ذلك أن جميع تلك النماذج الاقتصادية لم تأخذ الجانب الاجتماعي بعين الاعتبار بل تجاهلته تماما!

البتكوين ليست وليدة الآلفية، فهي لا تعتبر بالشيء الجديد! نيك زابو هو عالم كمبيوتر وتشفير إلكتروني، في مطلع عام ١٩٩٨م قام بإنشاء أول عملة إلكترونية في التاريخ البشري وأطلق عليها بيت-جولد، وكان الهدف منها التخلص من الطرف الثالث " البنوك" في تحويل وشراء الحاجيات بين الناس دون دفع رسوم تحويل مثل بطاقة الائتمان ورسوم التحويل من حساب لحساب آخر. لكن عملة البت-جولد لم تنجح وسرعان ما اندثرت واختفت تماما، والسؤال الذي يتبادر لأذهاننا الآن حول الآلية التي استطاعت بها البتكوين تحقيق النجاح بينما فشلت البت-جولد؟ مع العلم أن كلا العملتين تتشاركان نفس التصميم، الهدف ونظام المكافئة! فإن الجواب الذي يشير إلى سبب نجاح البتكوين هو التوقيت! وللمعلومية فإن البتكوين هي نسخة طبق الأصل للعملة الإلكترونية الأولى. ساتوشي ناكموتو هو المؤسس ومخترع البتكوين، وأول ظهور كان للبتكوين في عام ٢٠٠٨م أي عقب الازمة المالية العالمية التي عصفت بأسواق المال! ساتوشي ناكموتو كان حذق جدا في اختيار التوقيت لإطلاق عملته الإلكترونية ونظام البلاك-شين.

عقب عام ٢٠٠٨ م أصبح عامة المواطنين والمستثمرين يشكون في مقدرة الحكومة الأمريكية في التحكم في سوق المال، إذ أن الكثيرين ألقوا باللوم على المؤسسات المالية وغير المالية الحكومية من البنك الفدرالي، مجلس الشيوخ، والبنوك بصفة عامة. لذلك اتخذ ستوشي ناكموتو مؤسس بتكوين شارع وول ستريت كنقطة بداية، إذ أن شارع وول ستريت كان نواة الأزمة المالية. إذ في أول كتابته صرح قائلا الغرض من العملة الجديدة هو فك الاعتماد على حكومة مركزية، اليوم أنشئت عملة جديدة لا يمكن لأحد التحكم فيها غير العرض والطلب. من هنا اتخذ عامة الناس البتكوين خصوصا هؤلاء الذين تأثروا بأزمة المال مطلع ٢٠٠٨م كوسيلة وحركة ضد الحكومة المركزية ردا على عدم استطاعتها في حفظ أموالهم. كان هذا المحرك الأساسي لعملة البتكوين. وعليه تم استخدام العملة الإلكترونية في أي نشاط من دوره يزعج أو يهدد المؤسسات المالية التقليدية. الميزة الأخرى وهي السرية التامة! إذ يستطيع المرسل والمستقبل إتمام العملية دون كشف الهوية، والذي من دوره ساعد على انتشار البتكوين بين جميع أوساط الناس الذين يشعرون بإنتهاك خصوصيتها من قبل البنوك" في بوح بالمعلومات لجهات حكومية وغير حكومية".

السرية المطلقة ساعدت بشكل كبير في انتشار البتكوين لدعم الأعمال بغض النظر عن مشروعيتها مثل موقع طريق الحرير، ودعم مؤسس موقع ويكليكس. الميزة الثالثة انخفاض أو تقريبا انعدام رسوم التحويل من شخص لشخص آخر وسرعتها؛ إذ يمكن لمستخدم البتكوين التحويل كيفما شاء وأينما شاء ويستقبلها الطرف الآخر في غضون ١٠ دقائق. أيضا سوق المقايضة في بيع وشراء البتكوين يعمل على مدار الساعة وليست هنالك أوقات محددة مثل أسواق المال العالمية " الأسهم". أخيرا، سهولة الوصل للبتكوين خصوصا للدول الأفريقية التي لا توجد بها بنوك متاحة للجميع – حيث تتاح البنوك فقط لأفراد الطبقة المخملية".

السؤال الأهم كيف لشيء غير ملموس تتجاوز قيمته الخمسة الآف دولار أمريكي؟ المزايا التي تتمثل في البتكوين جعلتها ثمينة رغم كونها غير ملموسة، أيضا عندما يقوم الماليون والاقتصاديون في تحليل سعر لأصل مالي ما، يضعون ذلك الأصل في فئة معينة مثلا أصل عقار، مالي إلخ. البتكوين لم تنتمي لفئة معينة في أصل مالي معين وما زالت كذلك، الذي من دوره جعل القيمة تتخطى حاجز الخمسة الآف دولار إذا لا يمكن مقارنتها بشيء من فئتها. أما عن قيمتها الحقيقية العادلة وإذا ما كانت مبالغ فيها. السؤال نفسه ينطبق على جميع العملات التقليدية من دولار، يورو، ريال. ما هي القيمة الحقيقية والعادلة؟ هل قيمة الدولار ٠.٨٠لكل يورو هل هي أقل أو أكثر؟ لا أحد يعلم خصوصا أن جميع العملات التقليدية شأنها شأن البتكوين ليست مدعومة بذهب أو فضة، إذ أن الفيصل هنا العرض/الطلب، هل هنالك عرض على الطلب. بمعنى آخر العرض/الطلب يعطي انطباع بإن القيمة المتداولة هي القيمة العادلة في وقت التداول وإلا لن يكون هنالك تقايض من الأساس. هل هي حقا عملية أم تعتبر مجرد فقاعة؟

فمن أهم أساسيات العملة كونها وسيلة للمقايضة في البيع والشراء وأنها تستطيع الحفاظ على الثروة، أيضا قدرتها على الانقسام، جميع تلك المزايا نراها في البتكوين! تستطيع شراء بعض الحاجيات ودفع الفواتير باستخدام البتكوين إذ توجد مواقع تستقبل البتكوين وتدفع عنك! أم عن مستقبل البتكوين يتلخص في مقدرتها على البقاء والنمو كنوع من أنواع المقايضة في التعاملات بين عامة الناس، إذا فعلت سنرى صعود في قيمتها وأهميتها. السبب يعود في قول آدم سميث، كل ما على التجار معرفته أن هنالك طلب لورق القصدير، وسيقوم بالتصنيع والبيع دون الحاجة لمعرفة المشتري أو الغرض من الشراء!

خلاصة القول البتكوين مثلت ثورة مالية، اقتصادية وسياسية، قوتها وقيمتها تستمد من خليط لعوامل اجتماعية واقتصادية، ستستمر في النمو والتوسع إذا ما تقبلها مزيد من الناس.  ديفيد ريكاردو: القيمية لشيء ما، تأتي من الإدراك الحسي للناس تجاه ذلك الشيء.

خاص_الفابيتا