مازال في ثقافتنا الاستهلاكية شعور عميق بالطفرة والأمن الغذائي حتى أصبحت قاعدة الكثيرين منا «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» ويتجلى ذلك بشكل واضح في المواسم وخصوصاً في رمضان حيث يتناقض شعورنا النابع من فلسفة ومقصد الشريعة من شعيرة الصوم التي نتقرب من خلالها إلى الله لنشعر بمعاناة المحرومين ونقدر نعم الله علينا مع سلوكنا الاستهلاكي وإقبالنا الكبير على شراء المواد الغذائية والاستهلاكية والذي يصل إلى ذروته في رمضان.
بينت بعض التقارير ارتفاع فاتورة الاستهلاك في رمضان بنسب عالية جداً وصلت إلى ما يقارب 30 % من فاتورة الاستهلاك للعام كاملاً بقيمة وصلت إلى 48 مليار ريال من أصل 160 مليارا تمثل قيمة تقديرية للاستهلاك السنوي حتى وصل استهلاك مواد أساسية كالأرز مثلا إلى 9 آلاف طن يومياً بحجم استهلاك 260 ألف طن في شهر رمضان فقط بما لا يشمل الاستهلاك المرتبط بزكاة الفطر والتي تصل الى ما يزيد على 60 ألف طن وقس على ذلك من حالة الاستهلاك الشرهة للحوم والزيوت والدقيق والعصائر والخضروات والسكر وغيرها مما جعله موسم المواسم للتجار حتى أصبح دخل رمضان لأغلب تجار التجزئة يمثل 60 % إلى 80 % من دخل العام كاملاً.
يبدأ التجار بالاستعداد لهذا الموسم الاستهلاكي بامتياز قبل شهر أو أكثر بالعروض الترويجية والخصومات والجوائز فيصبح التجار في سلوك شرس بحثاً عن الزبائن فتعبأ ممرات محلات التجزئة حتى الأسقف بمغلفات الأطعمة والمواد الاستهلاكية في منظر غريب ومزعج وكأننا مقبلين على أزمة. والحقيقة أن ارتفاع حجم الاستهلاك رفع بشكل تلقائي حجم الهدر الغذائي حتى أصبحنا في مركز متقدم عالمياً من ناحية استهلاك الفرد الذي وصل إلى 250 كلجم للفرد سنويا في حين أن متوسط استهلاك الفرد عالمياً 115 كلجم أي ان استهلاك الفرد لدينا يتجاوز ضعف متوسط الاستهلاك العالمي وهو مؤشر سيء اجتماعياً واقتصادياً وتنموياً.
من المسؤول عن هذا الإسراف؟ يعتقد 39 % من 1330 سعوديا شاركوا في استطلاع للرأي بأن الرجال هم المسؤولين عن هذا السلوك بينما يعتقد 61 % بأن النساء هن المسؤولات عن السلوك الاستهلاكي بحكم مسؤولياتهن الأسرية وأعتقد أن الجميع مسؤولون عن هذا السلوك غير المنظم الذي يراعي المظاهر وكأن النعم لا تزول وهو ما أنشأ ثقافة أسرية واجتماعية تشتري كل ما تشتهي وهو ما يجب أن نقضي عليه لأنه تهديد لمستقبل الأجيال وهدر للثروة الوطنية ولميزانية الأسرة على حساب جوانب أساسية أخرى.
إن حفظ النعمة والاقتصاد في الصرف من خلال ميزانية أسرية وشخصية ليس فقط أمراً مهماً للمجتمع بل ضرورة يجب أن تنظمها وتؤثر عليها خطة إصلاح اجتماعي ونشاط توعوي يخفف من حجم واردات المواد الغذائية والاستهلاكية وهو ما تحاول رؤية السعودية 2030 التأثير عليه من خلال جوانب مهمة مرتبطة بتخفيض الاستهلاك وتحفيز برامج الادخار ورفع الوعي المالي ولكنها في الحقيقة جهود لن تنجح إلا بتظافر جهود كل الفاعلين في المجتمع للوصول بالمجتمع إلى النضج المالي الذي يعالج هذه السلبيات ويرتقي بمجتمعنا أكثر.
نقلا عن الرياض