من الطبيعي عندما تحدث أزمة أو فضيحة أخلاقية لشركة ما أن تنهار ثقة عملائها بها ويعزفون عنها، ولكن هذا الأمر لم يحدث مع عملاق التواصل الاجتماعي شركة Facebook.. قبل شهرين انفجرت أزمة Facebook وأصبح العالم يستعد لمتابعة جلسة رئيس الشركة ومؤسسها أمام أعضاء الكونغرس وفتح موضوع خصوصية المشتركين في Facebook وبدأت حملة تطالب الناس بإلغاء حساباتهم.
لقد كان من السهل أن تخسر فيسبوك العديد من مشتركيها بعد هذه الأزمة خصوصاً أن الحملة التي تطالب بإلغاء الحسابات ضمت أسماء كبيرة مثل Steve Wozniak أحد مؤسسي شركة (أبل) وActon أحد مؤسسي (واتساب) التي استحوذت عليها (فيسبوك). والأسوأ من الحملة هو استقالة المؤسس الثاني في الشركة من مجلس الإدارة.
كل هذه التغيرات جعلت فيسبوك قضية غلاف أهم الصحف والقنوات، والحديث لا يدور إلا حول هذه التغيرات السلبية والتي جعلت سهم الشركة يتدحرج من 192 إلى 150 دولاراً.. وفجأة جاءت المفاجأة. لقد ارتفعت أرباح الربع الأول، وفاقت أرباح الربع الأول التوقعات بنسبة 25 % وزاد عدد المستخدمين النشطين بنسبة 13 % على أساس سنوي.
وكانت المفاجأة قوية وحاول المعلقون عبر القنوات والصحف الاقتصادية الكبرى في العالم أن يغوصوا في أرقام المفاجأة وقوائم الشركة المالية وربط ارتفاع الأرباح بارتفاع الإعلانات ومستوى الاستهلاك في الاقتصاد الأميركي، كل هذا مهم لكنه ليس الأهم، لأنه الأهم هو لماذا فشلت حملة مقاطعة فيسبوك؟ ولماذا يزداد المتابعون رغم خطورة تسرب البيانات باعتراف إدارة الشركة...
لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال يجب أن ندرك أولاً أهمية الفيسبوك. تفسير أهمية فيسبوك للفرد هو في نظري اجتماعي وليس اقتصادياً أو تقنياً، بعيد عن الأرقام وقريب من المجتمع.
الحقيقة من يرجع لتاريخ المجتمع الأميركي وتطوره في القرن الماضي مع الطفرات الاصطناعية والتغيرات الاقتصادية يستطيع ملاحظة سرعة انتقال الأسر بين الولايات للعمل أو الدراسة، هذه الديمغرافية الضخمة والمتغيرة جعلت المجتمع الأميركي نشيطاً في وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تبادل الرسائل وبطاقات الأعياد والمناسبات ودعوة الجيران الجدد في أي حي لمشاركة حفل (الباربكيو) الأسبوعي ومراسلة الجيران القدامى الذين انتقلوا، واهتمام الأسر في تثبيت عنوانها البريدي والإلكتروني فيما بعد، جاء فيسبوك واختصر كل هذا الصداع في المتابعة والتواصل، وجد فيه الأميركيون والأوروبيون قناة تربطهم بالمجتمع وأصدقاء المدرسة ثم الجامعة ثم العمل، وكل ما تزداد الدولة ثروة مع ارتفاع المستوى التعليمي تتشكل مجتمعات أكثر تنوعاً وتميزاً ويكون فيسبوك هو الخيار الوحيد للوصول لها، أتذكر صديقاً في أوروبا ساعدته علاقاته في الفيسبوك في شراء منزل جميل بسعر مناسب جداً، وصديقاً عثر على مدرسة متخصصة في التوحد من أجل ابنه، وآخر تعرف على شخصية زملائه في العمل وهواياتهم، ولأن الإنسان (كائن اتصالي) ولديه طبيعة التطفل فهو يمضي وقتاً طويلاً لمعرفة أخبار الناس، أعرف صديقاً من هوسه بهذه التفاصيل يطلب من أخيه أن يغير كلمة مرور حسابه حتى تنتهي فترة اختباراته.
فيسبوك ليس مصدر طاقة أو غذاء بل أداة ارتباط لك مع العالم والشعور بالوجود وما ذكرته في أميركا موجود في أوروبا، والآن يتشكل في الهند وتوقعاتي أن يزداد عدد المتابعين كلما ازداد معدل النمو العالمي وسرعة التنقل والعمل، هذا جواب السؤال المهم الذي لا تستطيع الأرقام تفسيره.
نقلا عن الرياض
اغلب من تصدر الحملة ضد الشركة قد يكون لهم مصالح بشكل او اخر لاكن الانسان العادي قد لا يهتم فقط سيكون اكثر حذر بالتعامل مع الشبكة في المستقبل