التنوع الاقتصادي المنشود في رؤية المملكة سيتم عبر توظيف كل الموارد بالاقتصاد الوطني، وعلى رأسها الموارد البشرية. وقد أُطلقت العديد من البرامج الرئيسية، مثل الخصخصة وتطوير القطاع المالي وجودة الحياة.. ويُنتظر إعلان برامج أخرى هذا العام؛ وهو ما يدلل على أن الاقتصاد الوطني زاخر بالإمكانيات، وأن ما يُستغل منه محدود جدًّا. فمن الخطأ الاعتقاد أن جل الإمكانيات بالاقتصاد الوطني تختصر بالنفط.
ولعل من أهم التحديات التي تهدف الرؤية لتجاوزها معالجة البطالة الحالية والمستقبلية، مع الأمل بالوصول للتشغيل الكامل للموارد البشرية. ففي طبيعة الاقتصاد الحالية لا يمكن توظيف كل طالبي العمل أو الداخلين الجدد لسوق العمل والمقدرين بمتوسط 300 ألف، منهم نحو 100 ألف خريج جامعي سنويًّا؛ ولذلك فإن مشكلة البطالة في الوقت الحاضر تشتمل على مزيج من الأسباب، أهمها هيكلية سوق العمل، إضافة للعامل الأهم بضعف تشغيل محركات الاقتصاد بالقوة الكافية أو المتاحة فعليًّا سابقًا؛ لكي يتم توليد الوظائف. وهو أهم ركيزة بمعالجة البطالة حاضرًا ومستقبلاً.
إن توجُّه الدولة من خلال الرؤية لتنشيط كل القطاعات التي تمتلك خواص النجاح، مثل الخدمات المالية واللوجستية والسياحة والترفيه والصناعة التعدينية والكيميائية وصناعة العقار.. يمثل جوهر الحلول للتشغيل الكامل للموارد البشرية بعد تأهيلها وتدريبها، الذي نمتلك لتحقيقه بنية قوية عبر عشرات الجامعات، إضافة إلى مئات المعاهد والكليات التقنية وآلاف المدارس.. فالتأهيل والتدريب ركيزة رئيسية لمعالجة البطالة الهيكلية أو الناتجة من التطور التكنولوجي الذي بات يمسح الكثير من الوظائف التقليدية، ولكنه في المقابل يعد أهم الحلول لرفع تنافسية اقتصادنا والارتقاء بنوعية الوظائف المناسبة للمواطنين، ولرفع دخلها، وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة الكثيفة ورخيصة الأجر.
الوصول للتشغيل الكامل للموارد البشرية يعتمد على عوامل عديدة لنجاح الوصول له، أولها تطوير استراتيجية التأهيل والتعليم والتدريب؛ لتواكب التحولات الاقتصادية المعاصرة، إضافة إلى قدرة كل جهاز حكومي على تنفيذ مهامه في إنجاح برامج التحول المعني بها، وكذلك تطوير البيئة التشريعية والتنظيمية لجذب المزيد من الاستثمارات، مع أهمية معالجة العقبات التي تواجه القطاع الخاص، وخصوصًا المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وكذلك دعم الابتكار والبحث العلمي، مع أهمية التركيز على دور كل فرد بتطوير إمكانياته ورفع إنتاجيته؛ لأنه كلما زاد النمو فإن فرص التشغيل الكامل للموارد البشرية ترتفع نسبة تحقيقها، وهذا لا يتم إلا بتكامل جهود كل الأطراف مع الأدوار المتوازنة للسياسة المالية والنقدية بدعم النمو الاقتصادي.
نقلا عن الجزيرة