يحمل برنامج تطوير القطاع المالي تغييرات جوهرية ستعيد تشكيل القطاع نوعيا وبالتدريج، وستطول تعامل كل منا مع هذا القطاع، بما في ذلك: قنوات رأس المال الجريء للمنشآت الناشئة والريادية، والتمويل طويل المدى مما ليس بوسع المصارف التجارية القيام به لاعتبارات تتعلق بالمدى الزمني وبنوعية المخاطر، وكذلك تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي من المؤمل أن يتعاظم دورها في الاقتصاد المحلي وفقا لمستهدفات "رؤية 2030". وهذا سيؤدي بدوره إلى ملء ثغرات لطالما عانى اقتصادنا نتيجة غيابها عن قطاعنا المالي. لكن ليس هذا كل ما يفتقده قطاعنا المالي ليمارس دوره كاملا لدعم إنجاز «الرؤية».
فلتحقيق ما سبق، سنجد أن المنافسة هي العنوان العريض الذي يحتاج إليه قطاعنا المالي لمرحلة ما بعد إعلان "الرؤية"، وذلك لأسباب عدة، من أهمها:
(1) أن يصبح بوسع مؤسسات الدخول لمعترك السوق دون عوائق، ما يعني أهمية فتح السوق أمام لاعبين جدد من داخل وخارج المملكة، وفسح المجال لهم بأقل قدر من التعقيد والتكلفة، ما يهم هو الاطمئنان بأن "اللاعبين الجدد" أهدافهم استراتيجية تتجاوز شفط أموالنا للخارج، والتزامهم بالمعايير المهنية الممارسة عالميا.
(2) كما علينا التفكر مليا هل بوسعنا الترخيص لإنشاء أنماط أخرى من المنشآت المصرفية إضافة لنموذج المصرف التجاري الكبير، الذي ينبغي أن يأتي برأسمال ملياري، وأن ينتظر أشهرا متحملا عشرات الملايين من الريالات حتى يحصل على كل التراخيص والرخص ليزاول نشاطه، وأن ينفق دون حدود للحصول على التقنيات المُكلفة، فضلا أن عليه الدخول في معارك "كسر عظم" عندما يبدأ نشاطه في السوق ليقتطع حصة من سوق تتمترس فيها المصارف التجارية الأقدم .
(3) "تحجيم" المصارف التجارية القائمة ليس هدفا، بل تمكيّن المنشآت المصرفية الجديدة من النجاح ومنحها الفرصة كاملة لتقدم خدمات مصرفية ابتكارية تقدم مستوى أعلى من الخدمة للعملاء، إذ ليس من الحكمة أن تفشل نتيجة لعدم تمكنها من اختراق السوق نتيجة للتمترس.
(4) لممارسة دور محوري في اقتصاد المنطقة العربية والشرق الأوسط، يحتاج الاقتصاد السعودي إلى قطاع مالي يولد منتجات وخدمات من جهة، وحيوية تنطلق لممارسة دور إقليمي حتى تصبح عاصمتنا المركز المالي الرئيس في المنطقة برمتها، فهذه الخانة محجوزة لنا منذ زمن، وأزعم أننا لم نشغلها بعد بمحض إرادتنا بأن اخترنا دورا لا يتجاوز، إلا فيما ندر، الحدود الوطنية.
نقلا عن الاقتصادية