نجحت إجراءات ساما، في ظرف 70 يوما، في إعادة الفائدة السعودية لمستوياتها الطبيعية وبذلك يتم إغلاق باب نزوح التدفقات الرأسمالية للخارج ويعزز قدومها للداخل. "ففائدة الاقتراض السعودية" قد عاشت أحداث فريدة سيمتد أثرها لكافة شرائح المجتمع (من أفراد وشركات)، لاسيما المقترضون الجدد أو القدامى. فإذا كان لديك قرض مصرفي بالفائدة المتغيرة (التي تتبع حركة السايبور)، فهذا التحليل موجه لك. فكما هو متعارف عليه، تعتبر أسعار السايبور بمثابة العامود الفقري الذي تقوم عليه قروض الأفراد والشركات وكذلك السندات السيادية بالسوق المحلي فعلى أساسها، يتم تحديد الفوائد / الأرباح التي يدفعها المقترضون للبنوك.
ففي الأول من شهر مايو، حدثت 3 أحداث عظيمة: 1) الفائدة السعودية تصل لأقصى ارتفاع لها في ظرف 9 سنوات، 2)السايبور يرتفع للمره الأولى فوق الفائدة الدولارية (ليبور) منذ أكثر من شهرين، 3) السايبر إرتفع بمقدار 49 نقطة أساس منذ بداية هذه السنة إيذاناً بدخول الاقتصاد السعودي لحقبة الفائدة المرتفعة (التي نحن نعيش بداياتها).
فلقد عاشت أسواق النقد السعودية فترة عصيبة خلال السبعين يوماً الماضية، شهدنا خلالها إجراءات متتابعة من مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي ساما) وذلك من أجل ضبط مستويات سيولة القطاع المصرفي الفائضة وكذلك حماية أكبر اقتصادات الشرق الأوسط في نفس الوقت.
ف"الهامش السلبي" الذي كان متواجداً في الفترة الماضية بين الفائدة السعودية ونظيرتها الأمريكية (وصل في أقصاه الى 19 نقطة أساس قبل شهر) قد تلاشى وتحول لهامش إيجابي. فلقد حلق السايبور في يوم الأربعاء لمستويات جديدة وصلت الى 2.390%، ليتداول بذلك بفارق أربع نقاط أساس عن الليبور (2.353%). قد يتساءل البعض ويقول ما هو الفرق بين ارتفاع السايبور الذي تم في النصف الأول من 2016 وبين الارتفاع الحالي ؟ ارتفاع 2016 كان مبرره انحسار السيولة بالقطاع المصرفي (بعكس ما يجري الآن من وفرة في السيولة بسبب بطء في عمليات الائتمان).
جهود ساما
في 17 مارس، خرجت صحيفة الجزيرة بتقرير تحلل في إجراءات ساما وذلك تحت عنوان:" الإجراء الإستباقي أوقف نزوح التدفقات الرأسمالية الى خارج المملكة" وبالفعل تحقق ما تنبأت به الصحيفة.فقد تكللت جهود ساما بالنجاح واستقرت في نفس الوقت مستويات الليبور (بعد ارتفاعات متواصلة). حيث استطاعت الفائدة السعودية أن تتفوق على الليبور وفي نفس الوقت تلاشت مخاوف نزوح الأموال للخارج (نعني بذلك تسييل الودائع التي بالريال وذلك لصالح ودائع دولارية بعائد أعلى.أي أن المستثمر يبيع الريال ويشتري الدولار مما يضغط على العملة).
ولكن الأمر لم يكن بهذه السهولة. فالبنك المركزي كان يحاول أن يوازن بين تجنب جلب ضغوطات على العملة (وربطها بالدولار) وفي نفس الوقت دعم نمو الاقتصاد السعودي من دون ارتفاع زائد عن الحد للفائدة للمحلية. لاحظ أن هذه الفترة الحرجة التي عاشتها سوق النقد تأتي في وقت تطمح فيه السعودية لجذب مزيد من التدفقات المالية للمستثمرين الأجانب نحو بورصتها المالية (وهؤلاء المستثمرين قد يترددوا بالاستثمار في حال وجود مخاطر خاصة بالعملة).
تسلسل الأحداث
-في 20 فبراير من هذه السنة، أصبح السايبور دون معدلات الليبور، مما أوجد الهامش السلبي بين الفائدتين (وصل ل19 نقطة أساس).عندها شرع البنك المركزي السعودي في سلسلة من الإجراءات من أجل تضييق تلك الفجوة بين الفائدتين.
-في 5 مارس قررت ساما إيقاف العمل باتفاقيات إعادة الشراء (الريبو) لآجال سبعة أيام و28 يوما و90 يوما (تسمى نافذة السيولة الطويلة الأجل).إلا أن هذا الاجراء لم ينفع وأزداد اتساع الفجوة في الأيام اللاحقة (الى أن تعدى السايبر (في 14 مارس) مستوى 2.01% ليتجاوز بذلك السقف الخاص بالريبو (2%).
-وفي ضوء قلق ساما من أن يؤدي اتساع الفارق السلبي كثيرا إلى تحفيز نزوح رؤوس أموال من المملكة، اتخذ البنك المركزي في 15 مارس قراره المتعلق بالريبو والريبو العكسي) في خطوة غير معتادة إلى حد كبير ورفع أسعار الفائدة قبل المركزي الأمريكي. حيث تم رفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء من 200 نقطة أساس إلى 225 نقطة أساس -نظريا تعتبر السقف الجديد للسايبور- (وهي الأولى من نوعها للريبو منذ عقد-الأخيرة كانت في فبراير 2007). وتم رفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس من 150 نقطة أساس إلى 175 نقطة أساس. وساهمت تلك الخطوة في تضييق الفجوة بين الفائدتين ولكن لم يتم إغلاقها بعد . وزادت الأمور تعقيدا عندما تجاوزت الفائدة السعودية في (28 مارس) سقفها الافتراضي (نعني 2.25% الخاصة بالريبو) وذلك للمرة الثانية خلال شهر.
-في 22أبريل ، تعلن ساما (عبر مقابلة مع المحافظ من طرف بلومبرج) عن إجراء جديد بأنه لن يتم تمديد آجال بعض ودائع ساما لدى البنوك المحلية (والتي تم ايداعها في 2016 إبان ضغوطات عاشها القطاع المصرفي مع السيولة). بعباره أخرى سيتم استدعاء ودائع المركزي عندما يحين أجل استحقاقها. أحد أهداف هذا الاجراء هو العمل على تجفيف السيولة الفائضة بالقطاع البنكي، الأمر الذي تطمح ساما أن يساهم في دفع نسبة السايبور لتكون أعلى من الليبور.
-وفي نفس مقابلة بلومبرج كشف المحافظ أن البنوك قد بدأت في تقليص أحجام الأموال التي تتم بينها وبين ساما وذلك عبر الريبو العكسي.
النظرة المستقبلية
هل سيتوقف السايبر عن الارتفاع؟ الإجابة هي أنه لن يتوقف (فهو يتبع حركة الليبور بحكم ربط العملة بالدولار) ولكن نطمح ألا تكون الفجوة بينهما كبيرة. هل سنرى هذا الفارق الإيجابي بين الفائدتين يميل لصالح السايبور (على حساب الليبور)؟ ارتكازا على ما قامت به ساما، فإننا نتفاءل باستمرارية ذلك خلال الفترة المقبلة.