ليست مناهج التعليم وحدها التي بحاجة ماسة للتغيير ولكن الأهم هو ثقافة التعليم التي باتت بحاجة ماسة لإعادة البناء.
تذكرت هذا الأمر وأنا أسترجع ذكرياتي الدراسية من الأرشيف الذي مر.
كان طبيعياً جداً أن يعمل بعض الطلبة بعد الدوام المدرسي في المحلات والمتاجر والمصالح المختلفة.
أتذكر زميل دراستي صالح بقشان سليل الأسرة التجارية المعروفة كان يذهب بعد انقضاء الدوام الدراسي إلى محل بيع الأقمشة التابع لأسرته ويساعد في «تمتير» القماش وبيعه، أما أنا فكنت أذهب للعمل كمساعد بياع في محل بيع الأثاث والمفروشات التابع للأسرة.
هذه الثقافة بطبيعة الحال ليست حكراً على السعودية والسعوديين، فالدول العربية كانت تعرف ذلك، وفي الغرب يعرفون ذلك.
فالطلبة والطالبات يعملون بشكل اعتيادي في محل الوجبات السريعة مثل «ستاربكس» و«ماكدونالد» أو محال التجزئة للملابس والأدوات الرياضية وغيرها.
الشكوى المستمرة والمحقة في كون النظام التعليمي بعيداً تماماً عن متطلبات وضروريات سوق العمل لا يساعدها أبداً وجود ثقافة تعليم لا تشجع وتدعم بشكل عملي ثقافة العمل بعد ساعات الدوام المدرسي واعتبار ذلك الأمر جزءاً من النجاح الأكاديمي تماماً كما يتم اعتبار الالتزام والأخلاق الحسنة هي أيضا جزء من متطلبات التفوق الدراسي.
لم يتم الالتفات بشكل ممنهج لتنمية هذه المسألة وإحداث برامج «حقيقية» مع القطاع الخاص أو مع وزارة العمل الغائبة تماماً عن المشهد والمتفرغة لسياسات قصيرة الأجل مع شديد الأسف، بعيدة كل البعد عن الابتكار والتشجيع والعمل الخلاق.
ثقافة العمل مسألة تبدأ من الصغر وهي أشبه تماماً كالنقش على الحجر؛ لأن المسألة فيها قيم يتم اكتسابها وسلوكيات يتم التعود عليها ومبادئ يتم زرعها.
هذه الخلطة هي التي ستولد كفاءات محترمة ومسؤولة تدخل سوق العمل بشكل فيه مصداقية وجدارة بدلاً من التعامل معها بالشكل الحالي والذي هو مليء بالنقص وفيه الكثير من الخلل.
ثقافة العمل ومدى التعامل معها بجدية في السنوات المبكرة من التعليم هي مسألة تهم كافة قطاعات المجتمع بلا استثناء والتعاطي معها بجدية والطلب بأن يكون واقعاً ملموساً مسألة حيوية؛ لأن الفشل في تحقيق ذلك سيفاقم من مشكلات البطالة ويعقد الحلول المطروحة لأجلها.
المسألة بسيطة كل المطلوب هو التعامل مع التحدي بجدية وابتكار جدير بها.
نقلا عن عكاظ