من المثير للجدل أن توقيت الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم - أمريكا والصين - جاءت مصاحبة لإنطلاق بورصة النفط الصينية والتي بدأتها بورصة شانغهاى الدولية للطاقة مؤخرا لتداول عقود النفط الخام المقومة بالليوان كأول مؤشر قياسي في آسيا ، بعد ان تجاوزت الصين امريكا لتصبح أكبر مستورد للنفط في العالم عام 2017.
رأينا تأثير هذه الحرب التجارية على هبوط أسعار النفط مؤخرا بالرغم من انخفاض مخزونات النفط الأمريكية إلى مادون متوسط الخمس سنوات للمرة الأولى منذ عام 2014 - وبالرغم من عدم وجود أي بناء موسمي كبير للمخزونات حتى الآن في عام 2018 - إلا أن القلق الذي ينتاب أسواق النفط هبط بالأسعار - ورأينا أيضا هبوطا حادا لصادرات النفط الأمريكي إلى الصين بأكثر من النصف - من 473 الف برميل يوميا في شهر يناير المنصرم إلى 235 الف برميل يوميا في شهر فبراير المنصرم.
هذه الحرب التجارية سوف تعرقل مسيرة بورصة الصين للطاقة كأول مؤشر نفط قياسي في آسيا - والذي تم تأسيسه لعدة أهداف أهمها:
* تقديم خيار آخر لقياس قيمه النفط في أسواق النفط المادية (Physical Market) لتغيير أنماط المضاربين بدون فصل لأسعار العقود الآجلة عن أسواق النفط المادية وأساسياتها - إذا عكست بورصة الصين العرض والطلب للسوق لتصبح بورصة النفط القياسي للصين كأكبر مستورد للنفط في العالم، وثاني أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم.
* السماح لمصدري النفط بتجاوز المعايير المقومة بالدولار - عن طريق التداول بالليوان الصيني - مستغلة عدم وجود اي مؤشر قياسي آسيوي للتسعير لدى المصافي الآسيوية بحيث مازالت تسعر غالبية النفط المستورد مرتبطة بمؤشر خامي دبي وعمان.
* الإستقلالية وتمكين بعض الدول المصدرة للنفط من تفادي التعامل بالدولار - ولايمكن لهذه المحاولة بأن تغيّر قواعد لعبة النفط العالمية والتعاملات بالدولار، خصوصاً وأن هذا الأمر يرجع إلى التعاقدات النفطية مع الدول المنتجة.
* السماح لروسيا وإيران من تجاوز العقوبات الإقتصادية الأمريكية عن طريق التداول بالليوان، بحيث ان إيران استمرت بتصدير نفطها إلى الصين حتى أثناء الحصار الإقتصادي (2012 حتى 2015) - ولذلك لن يستفيد من ذلك إلا روسيا وإيران لتخطي العقوبات الأمريكية.
حتى وان نجحت بورصة الصين في جذب بعض منتجي النفط الذين يفضلون تجنب استخدام الدولار في تعاملاتهم، فإن باقي المنتجين غير مستعدين بالمخاطرة لقبول الدفع بالليوان مقابل مبيعات النفط الى الصين، خصوصاً وأن هذا الأمر سيكون عرضة لتقلبات الإقتصاد الصيني ونظامه المصرفي الغير مستقر. ولذلك فإن بورصة الصين لن تؤثر على سعر صرف الدولار، ولن تخلق سوقاً منافساً للأسواق الأمريكية، إلا بعد دعم منتجي النفط لها. لذلك من المستبعد أن تبدأ في التأثير بشكل أكبر أو أن تكون أحد النفوط القياسية المتداولة عالميا.
أما الحرب التجارية فسوف تحصر بورصة الصين لشراء النفط لمصافي التكرير الصينية المستقلة فقط - والتي تستورد حاليا قرابة 2 مليون برميل يوميا من النفط من السوق الفورية (SPOT MARKET) - وسيكون للحرب التجارية دور كبير في استبعادها اقليميا أو حتى إمكانية أن تعمل بورصة النفط الصينية كنفط مرجعي قياسي إقليمي للأسواق النفط المجاورة في المحيط الهادئ (اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان).
خاص_الفابيتا