الشمس التي كنا نخشى حرارتها، ونتوارى عن أشعتها يبدو أنها ستكون مصدراً جديداً ومستداماً لثرواتنا، ومستقبلاً واعداً لأجيالنا، وتعزيزاً إضافياً لرفاهيتنا، كيف لا يكون ذلك ولدينا قيادة طموحة تخرج عن المألوف، وتصنع المستحيل، وتحول الأحلام إلى واقع قيادة جعلت أنظار العالم تتجه للمملكة وتبحث عن فرص للدخول في استثمارات مشتركة، مذكرة التفاهم التي تم توقيعها مع "سوفت بنك" بالتعاون مع صندوق الاستثمارات العامة لإنشاء أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم لإنتاج 200 غيغاوات، يعتبر تحدياً كبيراً يفوق الخيال، وهو المشروع الذي ينتج نصف ما ينتجه العالم من طاقة شمسية، أرقام مذهلة قد يشكك البعض في قدرة المملكة على تحقيقها، ولكن العمل في المشروع سيتم البدء فيه فوراً، في شهر مايو 2018 ستكون الانطلاقة على أن يتم الانتهاء من بناء هذا المشروع بالتزامن مع رؤية المملكة 2030. في البداية سيتم إطلاق العمل بإنشاء محطتين شمسيتين بقدرة 3 غيغاوات و4.2 غيغاوات ينتهي العمل بها بحلول منتصف العام 2019، ولعل أهم ميزة في هذا المشروع الضخم أن جميع المواد المستخدمة في المشروع سيتم إنتاجها محلياً مثل مادة السيليكا المستخدمة في تصنيع الألواح الزجاجية والتي توجد بكميات هائلة في الرمال السعودية البيضاء، وكذلك مادة النحاس التي تستخدم في الموصلات الكهربائية، وهذا المشروع بكل مراحلة سوف يخلق حراكاً اقتصادياً كبيراً سواءً من ناحية توفير فرص وظيفية للمواطنين، أو فرص استثمارية لرجال الأعمال والمصانع المحلية كما أن المشروع سوف يكون رائداً في الابتكار والتطوير وعمل الأبحاث والدراسات التي تخفض من تكاليف إنشاء محطات الطاقة أو حتى خفض تكلفة الإنتاج وأيضاً ربما يشهد هذا المشروع ابتكار بطاريات ضخمة جداً لتخزين الطاقة وستكون المملكة رائدة في هذا المجال إذا تم ذلك وربما نستطيع أن نصدر الفائض من الطاقة وتحقيق عوائد عالية، أو حتى تصدير صناعة ألواح الطاقة الشمسية والخلايا الشمسية بأسعار منافسة.
تشهد المملكة العربية السعودية نمواً متسارعاً وزيادة في الطلب على الكهرباء والمياه المحلاة حيث تصل نسب النمو السنوية إلى حوالي 6 % بسبب ارتفاع معدل النمو السكاني وانخفاض التكلفة على المستهلك مع تحمل الدولة جزءاً كبيراً من تكاليف الإنتاج، حيث أفرزت التكاليف المنخفضة هدراً عالياً للموارد، ووفقًا للتقديرات الحكومية فإن الطلب المتوقع على الكهرباء في المملكة سيتعدى 120 غيغاواط بحلول العام 2032 كما أن الطلب على المياه المحلاة سوف يرتفع إلى أكثر من 10 ملايين طن، محطات التحلية تستهلك سنوياً حسب بيانات المؤسسة العام 2016 حوالي 641 ألف طن من زيت الوقود الثقيل HFO-380 وكذلك 2 مليون طن من زيت الوقود الثقيل HFO-180 وحوالي 432 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي وحوالي 1.3 مليون طن من النفط الخام وغيرها من الأنواع الأخرى للوقود التي تستخدم في محطات التحلية، كانت المؤسسة العامة لتحلية المياه قد وضعت خطة قبل عدة أعوام من أجل خفض استهلاك الوقود في محطات التحلية بنسبة 10 % قبل نهاية العام 2018 مقارنة مع استهلاك الوقود في العام 2011 ولا أعلم هل تم تنفيذ هذه الخطة أم لا، ومع ذلك نحتاج إلى مبادرات جادة وسريعة من أجل استخدام الطاقة الشمسية في المحطات الجديدة لتحلية المياه ذات التقنية الحديثة والكفاءة العالية، وخصوصاً تقنية التناضح العكسي الذي قد تكون متوافقة مع الطاقة الشمسية.
يدرك جيداً المسؤولون أنه إن لم يتم إنتاج طاقة بديلة وتطبيق أنظمة للحفاظ على مصادر الطاقة، فإن إجمالي الطلب على الوقود الخام لإنتاج الطاقة والصناعة والنقل وتحلية المياه سيرتفع من 3.4 ملايين برميل إلى ما يعادل 8.3 ملايين برميل من النفط المكافئ يومياً بحلول العام 2028 وهذه أرقام عالية جداً ستجعلنا بعد سنوات نتحول من مصدرين للنفط إلى مستهلكين ولهذا جاء القرار الحكيم والقوي من الحكومة للاستفادة من الشمس وتحويلها إلى طاقة مستدامة وغير ناضبة والاحتفاظ بالسوائل النفطية المستخدمة في إنتاج الطاقة احتياطيات للأجيال القادمة أو حتى بيعها والاستفادة من إيراداتها في تنويع مصادر الدخل من خلال استثمار تلك العوائد وبناء احتياطيات نقدية كبيرة للدولة لمواجهة أي تقلبات اقتصادية وتخفيض الاعتماد على إيرادات النفط، وتقدر الأرقام الأولية بأن العائد المتوقع من تخفيض استهلاك السوائل النفطية في إنتاج الكهرباء وإعادة بيعها حسب الأسعار الحالية حوالي 40 مليار دولار أو ما يعادل 150 مليار ريال.
بلغ متوسط تكلفة إنتاج وحدة الطاقة (كيلوواط ساعة) في الشركة السعودية للكهرباء في العام 2013 حوالي 80 هللة حسب أسعار الوقود عالمياً وبحسب دراسات اقتصادية فإن متوسط القيمة الحقيقية التي تحصلها الشركة السعودية للكهرباء من المستهلكين، يعد أقل من تكاليف إنتاج وحدة الطاقة، حيث بلغ متوسط القيمة المحصلة 14.1 هللة للكيلو واط في الساعة، وتحصل شركات للكهرباء في المملكة على أسعار تفضيلية للوقود مقارنة بالأسعار العالمية، ويرجع ذلك للدعم الحكومي لأسعار الوقود المخصصة لإنتاج الكهرباء، حيث بلغت قيمته في العام المالي 2013 حوالي 150 مليار ريال، أما تكلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية ستكون حسب الدراسات الأولية زهيدة جداً مقارنة مع الطاقة التقليدية من مشتقات النفط إذ تبلغ تكلفتها حوالي 9 هللات للكيلو واط وتنخفض التكلفة مع اكتمال مشروع الـ 200 غيغا واط في العام 2030 إلى حوالي 5 هللات للكيلو واط وهذا الرقم مجدٍ اقتصادياً ويوفر مبالغ كبيرة فيما يخص الدعم الحكومي للطاقة أو حتى خفض بيع الطاقة للمستهلكين والمصانع ورفع قدرتها التنافسية أمام المنتجات المستوردة، وكذلك تحقيق عوائد مجزية للدولة من هذا المشروع.
نقلا عن الرياض
قراءة رائعة وخصوصاً التهديد الحقيقي وهو ارتفاع الطلب على النفط المحلي من حوالى 3 مليون برميل إلى اكثر من 8 مليون برميل يوميا بحلول عام 2032م والذي يتوجب التحرك فوراً لتوفير الحلول البديلة لهذا الطلب المتزايد.