أشرت في المقال الأخير بعنوان "كيف نحمي الاقتصاد والمجتمع من المساكن المغشوشة؟"، إلى أنه وفقا للأنظمة السارية والمعمول بها خلال الفترة الراهنة؛ تأتي وزارة التجارة في مقدمة الأجهزة الحكومية الأكفأ للقيام بهذا الدور التنموي المهم، وهي الجهاز الحكومي الذي أثبت كفاءته خلال الأعوام الأخيرة على مستوى محاربة التستر والغش التجاريين، وعلى مستوى جهودها وأدوارها الكبيرة تجاه حماية السوق المحلية من كثير من الممارسات المخالفة، وعلى مستوى نجاحها في الوفاء بحماية المستهلك المحلي. بالتأكيد أن تحقق هذا الأمر، سيقتضي توفير الموارد المالية والبشرية اللازمة للوفاء بهذه المهمة التنموية، ووزارة التجارة أهل له بتوفيق الله، ومهما بلغت تكلفة تلك الموارد اللازمة، فإنها لن تصل أبدا إلى حجم الخسائر المالية الفادحة التي نتجت عن تفشي آفة الغش في تنفيذ المساكن، ولا يمكن حتى مقارنتها بحجم الأضرار الجسيمة التي نتجت عنها.
وبالنظر إلى الأزمة التنموية الراهنة ممثلة في أزمة الإسكان، وما تشكله من وزن ثقيل على كاهل الاقتصاد الوطني والمجتمع، والجهود والموارد الهائلة التي يتم بذلها خلال الفترة الراهنة، بهدف تجاوزها وصولا إلى تعزيز الاستقرارين الاجتماعي والاقتصادي، يعد اختراق أي من تلك الجهود والموارد العملاقة المبذولة، عن طريق الغش في البناء والتنفيذ، أؤكد أنه يمثل تهديدا فعليا لكل برامجنا التنموية الهادفة للخروج من أزمة الإسكان الراهنة، قد يؤدي إلى سقوطها دون مبرر مقبول عند العتبة الأولى من خطواتها الراهنة والمستقبلية.
تظهر البيانات الصادرة عن وزارة العدل، أن إجمالي الصفقات العقارية على الوحدات السكنية (فلل، شقق) قد تجاوز 73.6 مليار ريال خلال الفترة 2009 - 2018، مقابل تحقق مبيعات لأكثر من 118.9 ألف وحدة سكنية (فيلا، شقة)، وهي أرقام تعتبر متدنية جدا قياسا على الاحتياجات الفعلية لأفراد المجتمع من الإسكان، وأسباب ذلك أصبحت معلومة لدى الجميع؛ قياسا على التضخم الهائل في الأسعار السوقية بشكل مبالغ فيه، أسهم بدوره في صناعة الأزمة الإسكانية الراهنة، سبق إيضاح التشوهات الكامنة في السوق العقارية المحلية، وكيف أن الدولة قد بدأت فعليا في التصدي لها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بدءا من إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، انتهاء ببقية البرامج الإسكانية والتمويلية التي أقرتها طوال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وهو المجال الذي ليس هذا مقام الحديث عنه، بقدر أهمية الحديث الآن عن ما تتعرض له تلك الوحدات السكنية من غش في البناء والتنفيذ.
إن الحديث عن وجود مساكن مغشوشة بين عشرات الآلاف من الوحدات السكنية المشار إليها أعلاه (118.9 ألف وحدة سكنية)، بما قد تصل نسبته 5.0 إلى 10.0 في المائة من إجمالي تلك الوحدات السكنية، لا شك أنه يعد هدرا هائلا للحقوق والموارد الوطنية، والحديث هنا يقتصر فقط على نحو ستة آلاف وحدة سكنية إلى نحو 11.9 ألف وحدة سكنية (تراوح تكلفتها بين 3.7 مليار ريال إلى 7.4 مليار ريال)، إلا أن الواقع المشاهد والمتكرر لمسلسل انتشار واتساع رقعة تورط كثير من الأفراد والأسر في تلك المساكن المغشوشة، يشير بوضوح إلى أن حجم الورطة أكبر من ذلك، وأنه قد وصل إلى مستويات لافتة جدا أصبح من الضرورة القصوى التصدي نظاميا لها، والأخذ على يد كل من ارتكب أي من الأسباب المؤدية إلى تجرثم سوق الإسكان المحلية بمثل هذه المساكن المغشوشة، والتسبب في توريط أفراد المجتمع وأسرهم في تحمل خسائرها الفادحة التي لا يمكن تعويضها بأرقام اليوم.
إن مجرد التفكير في تضاعف تلك النسب المحتملة لوجود مساكن مغشوشة، كفيل بسرعة التحرك لأجل مواجهتها على قدر عال من الصرامة والجدية، فإن قدر أنها قد تشكل نحو 20 في المائة أو أكثر من إجمالي المساكن المبيعة خلال الفترة الماضية، فإننا نتحدث عن نحو 23.8 ألف وحدة سكنية، تجاوزت تكلفتها 14.7 مليار ريال، وهذا يعني مع الأسف الشديد تفاقم حجم الخسائر المالية والنفسية على كاهل ضحايا تلك المساكن المغشوشة، وأن النسبة قابلة للزيادة في ظل هذا الغياب شبه التام للتصدي الجاد والصارم للأسباب التي أدت إلى وجودها.
وهنا أساس الأزمة والإشكالية؛ فعلى الرغم من ضخامة مسؤولية ومهام معالجة القضايا الشائكة، التي نتجت سابقا عن انتشار مثل تلك المساكن المغشوشة، وضرورة أن توجد جهة رسمية تتصدى لمعالجتها من الجذور، بالأخذ على يد من تسبب فيها، والعمل على رد حقوق من تورط فيها، وتعويضه ماديا نتيجة الأضرار التي لحقت به، إلا أن الأمر يزداد أهمية قصوى بالنظر إلى الواقع الراهن والمستقبل، الذي يتضمن خططا وبرامج عملاقة سخرتها الدولة - أيدها الله - ويترقبها ملايين الأفراد من المجتمع، على طريق حلول الإسكان المحلي، والخروج من قبضة أزمة الإسكان الراهنة. فما هو قائم حتى تاريخه؛ يعني أن طريق الدفع بمزيد من تلك المساكن المغشوشة ما زال مشرع الأبواب على أقصى حد لها، حيث لا يوجد حتى تاريخه جهة رسمية محددة تتولى التصدي الصارم لانتشارها، وهو السبب الأول الذي استغله تماما أغلب إن لم يكن كل من تسبب في وجود تلك المساكن المغشوشة!
أثبتت وزارة التجارة نجاحات كثيرة في مراقبة الأسواق المحلية، وأنجزت الكثير على طريق حماية المستهلك المحلي من كثير من المخالفات التجارية والخدماتية، والسلوكيات المنافية للأخلاق والمؤدية إلى إلحاق الأضرار بالمستهلكين، الذي يؤهلها عن جدارة تامة لأن تتولى مهام ومسؤوليات محاربة ومعالجة أية قضايا قد تنشأ عن وجود مثل تلك المساكن المغشوشة، وهو ما يترجم تطلع أغلبية أفراد المجتمع أن يتم كل ذلك على وجه السرعة، والعمل الدؤوب من قبل كوادرها الوطنية على إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما جرى سابقا من وجود تلك المساكن المغشوشة، وأن تتولى الآن ومستقبلا حماية الاقتصاد الوطني والمجتمع من أي مساكن مغشوشة قد تخترق السوق المحلية، وتستغل احتياجات أفراد المجتمع، وهو ما ننتظره قريبا أن يتم الإعلان عنه رسميا ـــ بإذن الله تعالى ـــ والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
تحتاج دورة في ال Anger Management
يحتاج والله من يعطيه تصنيفه الحقيقي " صحفي إثارة " لان المحتوى فارغ مع الاسف.
الغش موجود ( من غشنا فليس منا ) لكن الغش في المساكن خطير خاصة بالهيكل الإنشائي يؤدي الى الموت . يجب على كتابة العدل طلب ضمانات على الهيكل الأنشائي من البائع قبل أصدار الصك .
شكراً لإضافتك القيّمة أخي big falcon قياساً على الفواجع التي حلّت بالكثير من الأفراد جرّاء تورّطهم في منتجات مغشوشة، وحفاظاً على مقدرات البلاد والعباد، لا بد أن يتم اتخاذ أقوى العقوبات الرادعة لكل متورّط في وجود تلك المساكن المغشوشة (تعويضاً، وتغريماً، وسجناً، وتشهيراً)، فحقوق المتضررين ليست جداراً قصيراً يقفزه أي غشاش أو مدلّس.. ولا يدافع عن هذه الجرائم إلا من كان مستفيداً أو متورطاً.. وفقك الله