من الجوانب التي أصبحت تأخذها إدارات المدن على مستوى العالم في الحسبان هو زمن رحلة السير التي يقضيها السكان في الوصول لوجهاتهم، حيث إن طول زمن الرحلة له تأثيرات سلبية في جوانب عدة؛ تؤثر على جودة الحياة ومستوى جاذبيتها الاقتصادية والاستثمارية، حيث يعتبر التأثير الاقتصادي السلبي على مجتمع الأعمال من أهم الجوانب التي تتأثر بطول زمن رحلة السير من حيث انخفاض مستوى النمو والإنتاجية والاستثمار نتيجةً لارتفاع الوقت المهدر والضائع على الطرقات، فأزمة الازدحام التي تشهدها شوارع المدن الرئيسة أصبحت عائقاً أمام إنجاز الأعمال، وأصبح الوقت المهدر يومياً يمثل جزءاً من تكاليف الأعمال لما يستنزفه من طاقات وقدرات المجتمع الإنتاجية، ولا شك أن ذلك يعتبر إحدى محصلات النمو السكاني المتسارع والتوسع العمراني غير المنظم في بعض المدن، وعدم مواكبة الطاقة الاستيعابية للطرق للنمو المستقبلي فيها، وهو دليل إخفاق لإدارات المدن في تخطيطها العمراني لمستقبل المدينة.
وفي واقع الحال لمدننا لم نصل لمرحلة الخطر والاختناق بعد، فالازدحام المروري ما زال في معدلات أقل بشكلٍ عام عند مقارنته بالازدحام في مدن تشهد كثافة سكانية أعلى وازدحاماً أشدّ مثل مدينة بانكوك التي يبلغ متوسط عدد الساعات التي يقضيها السائق في زحمة السير سنوياً 232 ساعة سنوياً، أو موسكو التي يستقطع السائق في زحمة السير بها 185 ساعة، أو إسطنبول التي يقضي السائق في زحمة السير بها 178 ساعة سنوياً.
إلا أن ذلك لا يعني خلو مدننا من الازدحام الكبير على المحاور والطرق الشريانية بالمدن، وقريباً ستستقبل المدن أعداداً كبيرة من السيارات بعد قرار السماح للمرأة بالقيادة مما يجعلنا أمام تحدٍ كبير لإيجاد الحلول حتى لا نصل لمرحلة الاختناق المروري، وأرجو ألا تكتفي مدننا بالتوجه نحو توسيع شبكات الطرق القائمة وبناء شبكات طرق جديدة، إذ ينبغي العمل على مراجعة بعض السياسات التشريعية للمرور ومنها إعادة النظر في السن القانونية التي يسمح فيها باستصدار رخص القيادة، فليس معقولاً أن يسمح للابن أو البنت من عمر 17 سنة بالقيادة ولم يتخطا مرحلة الدراسة الثانوية بعد؟! وينبغي كذلك التوسع في إنشاء وسائل النقل العام والتشجيع على استخدامها، والعمل على تكامل خطط الطرق والنقل في المدن واستعمالات الأراضي بها، لإعادة توزيع نطاقات مقاصد العمل من مؤسسات وشركات وجهات حكومية بشكلٍ متوازن لتفادي الازدحامات والاختناقات المرورية التي تهدر الوقت والمال.
نقلا عن الرياض