إن أحد أهم الأسئلة التي ينبغي طرحها هو: ما الغاية أو الهدف من قانون ما أو الهدف والغاية من نص نظامي معين سواء كان على شكل مادة أو مجموعة من المواد؟ هذا السؤال عندما يكون تداوله بعد صدور النظام قد يكون من باب التعرف على هدف المنظم أو المشرع من تشريع مسألة ما وقد يكون هذا التساؤل له أثر عملي، وقد لا يكون حسب النص وحسب المكان الذي يتم التساؤل فيه. لكن هذا السؤال يكون مفصليا عندما يكون تداوله في الجهة التشريعية أو التنظيمية لأن هذا السؤال إذا كان جديا، فإن جوابه يتطلب بحثا وتحليلا ودراسة، وأهم من ذلك كله يبقى السؤال الأهم بالصيغة التالية: هل هذه المادة ستحقق الهدف الذي يرغب فيه المنظم أو المشرع أم عكسه؟ وهل هناك آثار جانبية؟ وهل تكلفة هذه الآثار الجانبية يمكن تحملها مقابل ما سيجلبه هذا النظام أو هذه المادة من منافع؟ من خلال هذه المقدمة أسعى في هذه المقالة إلى أن أجسد هذه المقدمة بمثال ظاهر وهو مكافآت أعضاء مجالس إدارات الشركات المساهمة.
لن أخوض في مسؤوليات أعضاء مجالس إدارات الشركات المساهمة وقد تحدثت عنها في عدة مقالات، لكن من يطلع على نظام الشركات السعودي الجديد، قد يدرك أن أعضاء مجالس إدارات الشركات يتحملون عبئا كبيرا على كواهلهم من خلال مسؤوليتهم الأصيلة عن إدارة الشركة، فالمساهمون عندما يحصل لشركتهم أي شيء، فإن أول جهة تتبادر إلى أذهانهم هي مجلس الإدارة، ولو حصل أي تعثر في الشركة فإن السؤال الأول للمساهمين غالبا سيكون أين أعضاء مجلس الإدارة؟
وعلى الرغم من أنه يبدو أن هناك انطباعا أو تصورا منتشرا وهو أن عضويات مجالس إدارات الشركات هي مكان للوجاهة، لكن الوعي بدأ يتحرك نحو شيء من التحول بخصوص هذا التصور. لذلك مع حداثة نظام الشركات الجديد ومع وجود الشعور أن لغته بدت أكثر صرامة على مجالس إدارة الشركات، ينبغي أن يوجد توازن مع حجم هذه الصرامة. فمثلا عندما يأتي نظام الشركات لينص على أن الحد الأعلى لمكافآت أعضاء مجالس إدارات الشركات المساهمة هو 500 ألف ريال، يثور التساؤل عن كيف يريد نظام الشركات لمثل هذه المناصب أن تكون محفزة مع كمية العمل والمسؤوليات المنوطة بمجالس إدارات الشركات. ولا سيما أن جزءا من هذه المكافآت قد يذهب للتأمين ضد أخطاء أو الدعاوى ضد أعضاء مجالس إدارات الشركات على فرض أن الشركة لا تؤمن على هذا النوع. علاوة على ذلك يظهر أن النظام بذلك يتدخل في جزئيات لا يفترض أن يتدخل فيها بل هي شأن داخلي، فليس من المنطقي أن يكون الحد الأعلى لمكافأة أعضاء مجلس إدارة شركة رأس مالها بالمليارات أو مئات الملايين وأرباحها بعشرات الملايين مثل شركة رأسمالها بضعة ملايين وأرباحها في بحر الآلاف.
لذلك قد تكون لمثل هذه المواد النظامية آثار عكسية أو جانبية حينما يكون الهدف من سن مثل هذه المادة هو التوقع أن هذه الخطوة ستكون سببا في الحفاظ على أموال الشركة والمساهمين من التبديد بالمكافآت المبالغ فيها بينما تكون الآثار الحقيقية هي تجنب أعضاء أو أشخاص مؤهلين وأكفاء عضوية مجالس الإدارات وعدم وجود حافز لمثل هذه الأماكن القيادية المهمة.
قد تكون محاولة دعم دور المساهم النشط ودوره في اختيار ومتابعة ومحاسبة أعضاء مجلس إدارة الشركة، والتركيز على دعم الحوكمة أكثر فائدة من إقحام النصوص القانونية في تفاصيل الأعمال التجارية والاستراتيجية والتدخل في قوى التجارة أو الاقتصاد.
نقلا عن الاقتصادية