اشتهرت مقولة عن الاقتصادي الفرنسي فريدريك باستيا وهي أنه "ظلت المنافسة دوما وستظل دائما مزعجة لمن يجب عليهم أن يمتثلوا لها". هذه المقولة وجزء من هذه المقالة استلهمتها من الاقتصادي الأمريكي توماس سول. تنبع عن هذه المقولة مسألة مهمة وهي أن الأصل أن المنافسة في القطاع الخاص تعتبر مسألة جوهرية وأساسية للبقاء في السوق. فمن يرغب في الاستمرار في السوق فعليه أن يستجيب لهذه المنافسة. ويتفرع عن هذا الكلام كذلك أنه كي نوجد سوقا تنافسية فأحد أهم العوامل الجوهرية التي ينبغي مراعاتها هي مسألة قيود الجهات الحكومية والمنافسة وأحد الأمثلة على هذه القيود هو تراخيص المهن.
فهناك مجموعة من المهن التي تتطلب تراخيص من جهات حكومية متعددة أو ترخيصا من جهة حكومية واحدة، ونقطتي في هذه المقالة هي أن الأنظمة والقوانين وإن كانت في مجموعة منها تسعى لتنظيم قطاع معين أو مهنة معينة، إلا أني أحب أن أشير إلى مسألة مهمة وهي أن تزايد أعداد التراخيص المطلوبة قد يكون له آثار سلبية كبيرة، ومسألة التراخيص يمكن تناولها من زاويتين.
الزاوية الأولى وهي في الأساس سبب طلب تراخيص لممارسة مهنة معينة، فالمهن تتعدد وتزداد ووضع قيد على ممارسة مهنة معينة ينبغي أن يكون مبنيا على سبب جوهري وذي أثر قابل للقياس. فعند وجود قيد الترخيص على مهنة ما يعني أن المنافسة الحرة أضعفت درجة من خلال وضع قيود عليها؛ أي أن المنافسة ليست حرة بالقدر الذي ينتج عنه الفوائد المرجوة من المنافسة، هذه الآثار تتجسد في تطور وتحسن في جودة المنتجات أو الخدمات المقدمة ولها أثر في سعر هذه المنتجات والخدمات التي في المحصلة الأخيرة ستعود على المستهلك بالنفع.
الزاوية الثانية هي أنه على فرض كانت تلك المهنة تتطلب أن يوضع لها ترخيص فمن أهم المسائل التي ينبغي مراعاتها أن المتطلبات للحصول على الترخيص ينبغي ألا تكون كثيرة أو مجهدة ودون هدف دقيق ما يجعل الحصول على الترخيص صعبا وبالتالي يعني وجود لاعبين قليلين في السوق ثم بعد ذلك يحصل اللوم على الأسعار وارتفاعها وعلى سوء جودة المنتجات أو الخدمات دون النظر في أسبابها الصحيحة التي قد تكون هي المتطلبات النظامية نفسها التي أسهمت في ضعف المنافسة.
إن من المهم وجود التناغم في المقاصد بين عدة قوانين وجهات حكومية؛ قد لا يكون سهلا لكن أعتقد أن أهميته والعوائد التي ستعود به قد تكون فعلا محفزة لتحمل هذه الصعوبات. وفقا لمفوضية التجارة الفيدرالية الأمريكية يوجد ما يقارب 800 مهنة تتطلب ترخيصا في ولاية واحدة، ما يعني أن كثرتها دون ضرورة قد تؤثر في السوق التنافسية وفي المستهلك في النهاية. فعلى سبيل المثال وفقا لمجلة "الفيدريلست" تشترط ولاية نبراسكا 2100 ساعة تعليم وتدريب للحصول على ترخيص مهنة حلاقة. لذلك في الأشهر الماضية عقدت عدة جلسات استماع ومحاولة تمرير لمشروع قانون يخفف من متطلبات تراخيص بعض المهن مثل الحلاقة والتجميل وغيرهما.
تكمن خطورة هذا الموضوع في أن اشتراط تراخيص لمهن أنها عملية تراكمية قد لا يشعر بها حتى يأتي وقت نجد فيه عددا هائلا من المهن أو الأعمال التي تتطلب تراخيص وتتطلب هذه التراخيص متطلبات كثيرة وربما صعبة ما قد ينعكس على السوق والمنافسة بشكل عام.
أختم بأن هذا الموضوع هو محل نقاش كبير في الدول الصناعية، ما يعني أن مسألة التراخيص للمهن الحرة أنتجت نتائج استحقت نقاش المهتمين وأصحاب الشأن، الأمر الذي يتطلب رعاية ودراسة متخصصة ومناقشة قبل الإلزام بتراخيص معينة أو متطلبات معينة لمهنة أو عمل ما أو حتى تجارة ما.
نقلا عن الاقتصادية