قرار الاستثمار بين الذهب والعقارات

23/01/2018 2
د.عبد الوهاب بن سعيد القحطاني

يسأل بعض المستثمرين السؤال التقليدي ما هو الافضل الاستثمار في الذهب أو الاستثمار في العقار؟ وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من معرفة الفرق بين هاتين القناتين الاستثماريتين ليقرر المستثمر الدخول للاستثمار في أيهما. الحقيقة ان الدخول في الاستثمارات قضية شائكة تحتاج الى تحليل دقيق وموضوعي بعيدأ عما يتداوله العامة من مشاعر عاطفية حول قنوات الاستثمار، فقد يقول البعض إن الذهب ملاذ آمن للمستثمرين بينما يقول آخرون إن العقار الملاذ الآمن للمستثمرين. اذا كنا فطنين في تفكيرنا فكأننا نقارن التفاح بالبرتقال، حيث لكل منهما خصائص وميزات تختلف عن الآخر بدرجة محدودة ومعقولة.

وقبل أن نحكم على الاستثمار المناسب في أي من الذهب والعقار فإنه من المناسب التحدث عن الخصائص المشتركة بين هاتين القناتين متجردين مما يتداوله عامة المستثمرين. ومن أهم هذه الخصائص المشتركة بين الذهب والعقار الندرة والنقص والاستدامة. لا نستطيع اتخاذ القرار المناسب للاستثمار في الذهب أو العقار بناء على هذه الخصائص الثلاث المشتركة بين الاستثمار في الذهب والاستثمار في العقارات، لذا يجب علينا أن نقارن بينهما بناء على معطيات ومعلومات اقتصادية أكثر واقعية ومنطقية، وذلك قبل ضخ السيولة في الذهب أو العقار.

في حال الاستثمار في العقار سيخبرك المستثمر أنه في وضع استثماري مناسب وجيد من حيث العائدات وتدفق السيولة، وذلك بناء على الوضع الحالي من غير توقع واقعي مسبق لما سيحدث في المستقبل القريب أو المستقبل البعيد. الاستثمار في العقار، خاصة عقار التأجير الذي يدر على المستثمر السيولة النقدية المستديمة. وعلينا ان نتذكر ما حدث لسوق العقارات في الولايات المتحدة في عام 2008م عندما هيمنت مشكلة الرهن العقاري على قيمة العقارات وعوائدها، حيث تهاوت القيمة للمنازل سواء المرهونة للبنوك أو غير المرهونة. أما ايرادات وعوائد الوحدات المستأجرة في الولايات المتحدة، فقد ارتفعت لسبب واضح وهو أن عدد الذين طردتهم من منازلهم مؤسسات الرهن العقاري لعدم قدرتهم على سداد القروض ما اضطرهم للاستئجار وبالتالي ساهم في ارتفاع الطلب على استئجار الوحدات السكنية في المجمعات سواء المرهونة للبنوك أوغير المرهونة. وهنا نرى ان المستثمر في الوحدات السكنية والقادر على سداد القروض لمؤسسات الرهن العقاري قد استفاد من ارتفاع تأجير العقارات السكنية.

ولعل مشكلة الرهن العقاري في الازمة المالية الآسيوية في عام 1997م تؤكد تناقص اسعار العقارات وعوائدها ما اثر في هجرة الاستثمارات إلى الولايات المتحدة واوروبا بحثا عن النمو والاستقرار والعائدات الاستثمارية الجاذبة. وبالطبع اثر انهيار الأسواق العقارية في معظم اقتصادات النمور الآسيوية في تراجع ثقة المستثمرين المحليين والاجانب لأن الانهيار كان قويا ما عاد باسعار العقارات في تلك الدول إلى مستويات مخيفة بددت طموحات المستثمرين.

واذا حللنا اقتصاديا ما يحدث للعقارات في المملكة سواء البيوت أو الوحدات السكنية المخصصة للايجار فإننا سنرى أنها تأثرت كثيرا من سياسات الدولة الخاصة برسوم العمالة الوافدة وافراد اسرها، مما اضطر نسبة كبيرة من مغادرة المملكة لعدم قدرتهم على تحمل الرسوم وتكاليف المعيشة المرتفعة بالاضافة الى اسعار الطاقة والماء والبنزين.

ويتضح أن العقارات عالميا ومحليا تتذبذب بدرجة عالية وسريعة من حيث القيمة والعائدات متأثرة بالازمات الاقتصادية والسياسية والحروب والسياسات الحكومية. إلى جانب هذا التذبذب القاسي والحاد، تظهر مشكلة تسييل العقارات خلال الأزمات، حيث يصعب تسييلها بسرعة إلا اذا كانت الأسعار منحفضة دون أسعار السوق.

الذهب اقل تذبذبا من العقارات، لكنه بطيء الصعود وبنسبة متواضعة في معظم الأحيان. وإذا صعد الذهب ببطء فإن هبوطه سيكون بسرعة كما حدث عند ارتفاع اونصة الذهب قبل حوالي 10 اعوام من 1300 دولار امريكي إلى 1900 دولار خلال عدة شهور ليعود بسرعة عالية دون 1300 دولار، وكان ذلك في اقل من شهر ونصف ما علق نسبة كبيرة من المستثمرين في مستويات سعرية عالية بين 1600 دولار و1900 دولار متوقعين أن السعر سيبلغ 2500 دولار امريكي للاونصة؛ لأنهم توقعوا من غير مصارد علمية موثوقة المزيد من التراجع لقيمة الدولار الامريكي ما سيدفع الذهب لمواصلة الارتفاع فوق مستويات 2000 دولار للاونصة.

واجمالا فإن الاستثمار في الذهب قرار استراتيجي بعيد الاجل بينما الاستثمار في العقار يتصف في معظم الجالات بالمدى القصير، وكثرة التدوير ليجني المستثمرون الأرباح في حال بيعه. وهذا ما حصل في سوق العقارات السعودية التي تضخمت بسبب التدوير من غير تطوير. باحتصار الاستثمار في الذهب خيار مناسب في الاجل الطويل لانه اقل تذبذبا واكثر طلبا استثماريا أما في الاجل القصير فإن العقار خيار مناسب، خاصة اذا كانت الظروف الاقتصادية العقارية ملائمة.

وارى ضرورة التنويع الاستثماري في الذهب والعقارات بمعادلة متوازنة بعد استشارة المتخصصين في مجال الاستثمارات. وعلى المستثمر أن يقرأ الظروف الاقتصادية والسياسية الإقليمية والعالمية ليكون قراره مدروسا ومبنيا على معلومات كافية من مصادر موثوقة. وعلى المستثمر أن يحدد مدى حاجته للسيولة النقدية ليقرر بناء عليها الاستثمار في الذهب أو في العقار.

نقلا عن اليوم