التوازن بين حماية العامل وصاحب العمل

14/01/2018 0
خالد الشنيبر

من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي قضية ارتفاع معدلات البطالة على مستوى الجنسين، وحتى لا نحمل طرفا من أطراف سوق العمل ذنب غيره، من المهم أن نتفق على أن القطاع الخاص هو قطاع ربحي وليس قطاع رعاية اجتماعية، ولا يعني ذلك أن القطاع الخاص ليس له دور في ارتفاع أو انخفاض معدلات البطالة، ولا يعني ذلك أن للقطاع الخاص الحق في فصل وتسريح العاملين فيه بشكل عشوائي، وأيضاً ليس من المنطق أن يكون القطاع الخاص هو الحل الوحيد للتوظيف، وليس من المنطق أن تكون وزارة العمل هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن البطالة.

بالرجوع لأنظمة العمل في الدول العربية نجد أنها تتطابق بشكل كبير في أغلب موادها، وأغلب الأنظمة مستنسخة من دليل عربي استرشادي، ومن وجهة نظر شخصية أرى أن أنظمة العمل في الدول العربية كافة تحتاج لمراجعة حتى تتطابق مع المتغيرات الاقتصادية والتي تختلف من دولة لدولة، فتركيبة القطاع الخاص في السعودية تختلف عن غيرها من البلدان العربية في أفريقيا على سبيل المثال.

عقود العمل هي علاقة منفعة بين طرفين رئيسيين «صاحب العمل والعامل»، ويُبرم عقد العمل لمدة معينة أو لإنجاز عمل معين، ووفقاً لسوق العمل السعودي نجد أن عقود العمل تنقسم لأربعة أنواع: «عقد محدد المدة، غير محدد المدة أو ما يسمى المفتوح، محدد المدة يتحول بعد فترة معينة لعقد مفتوح المدة، عقد ينتهي بانتهاء عمل معين أو مهام معينة»، وكوجهة نظر شخصية فأنا لا أتفق مع وجود عقد عمل «غير محدد المدة» أو عقد «يتحول بعد فترة من محدد المدة لمفتوح المدة»، وذلك يرجع لعدة عوامل تتعلق بالأثر الاقتصادي من التوجهات لحماية العامل من فقدان الوظيفة أو حماية صاحب العمل، ومن جهة الاتجار بالبشر وفقاً لطبيعة العلاقة التي ستنشأ من ذلك.

تصنيف دولة من ضمن الدول المتقدمة لا يعني ذلك أن معدلات البطالة فيها ستكون أقل من غيرها من الدول الأخرى، والأزمات الاقتصادية تعتبر سببا من أسباب ارتفاع معدلات البطالة ولكن ليست السبب الوحيد، فهناك عامل مهم وأكثر تأثيراً والذي يتعلق بالمرونة في أنظمة العمل التي تحكم العلاقة بين الطرفين، ولذلك من المهم أن يكون هناك توضيح لبعض المختصين والمسؤولين في الفرق بين مفهوم «حماية العامل من فقدان الوظيفة» ومفهوم «حماية صاحب العمل ومنشآت القطاع الخاص»، ومن المهم أيضاً أن تكون الصورة أوضح لهم فيما يخص أهمية وجود التوازن بين حماية العامل وحماية صاحب العمل ومنشآت القطاع الخاص.

بغض النظر عن بعض مواد العمل والتي أثارت جدلاً في الفترة السابقة، من المهم أن يكون التوازن في حماية طرفي عقد العمل حاضراً ومرناً بشكل أكبر، ومن المهم ألا نضغط على أصحاب الأعمال بأنظمة لحماية العامل «بشكل مفرط»، فكلما ارتفعت تكلفة فصل العامل فسيؤدي ذلك إلى التردد في التوظيف المستقبلي بالإضافة للتسريح الحالي، وكلما «أفرطنا» بحماية العامل من فقدان العمل و«تجاهلنا» حماية أصحاب العمل والمنشآت فسيكون ناتج ذلك خروجا لمنشآت من السوق كانت توفر فرصا وظيفية بالوقت الحالي وربما خلق فرص وظيفية عديدة مستقبلية، وليس المحافظة على وظائف الأيدي العاملة السعودية كما يتخيل البعض، وسيقلل ذلك من التنافس بين العاملين مما يؤدي لتدني الإنتاجية والجودة في العمل، بالإضافة لذلك لن نجد أي تحسين فعلي في انخفاض معدلات البطالة، ولن نجد تفرقة بين العاطل والمُعطل خاصة أننا نعمل على إصلاحات في سوق العمل.

مصطلح الأمان الوظيفي أصبح هاجسا، والأغلب ربطه بطريقة خاطئة أشبه بالمطالبة بعلاقة لا نهاية لها بين العامل وصاحب العمل، وهذا الربط خاطئ وغير صحي للسوق وللكوادر البشرية فيه، ولو ربطنا الأمان الوظيفي بذلك فيعني أننا لا نحتاج لأي تقييم دوري للعاملين في القطاع الخاص، ولن يكون هناك تفرقة بين العامل المنتج وغير المنتج، وستنعدم المنافسة بين الكفاءات والتي لها تأثير في زيادة التراكم المعرفي في سوق العمل خاصة مع دورانها الداخلي، وهذا يعتبر من الأسباب الرئيسية التي تجعلني لا أتفق مع وجود عقد عمل غير محدد المدة أو ما يسمى مفتوح المدة والذي أتمنى أن يتم مراجعة تطبيقه في السوق السعودي من مبدأ خلق توازن في حماية طرفي علاقة العمل.

ختاماً: أنا ضد أي فصل تعسفي للأيدي العاملة السعودية وبشكل عشوائي، وأطالب بأن يكون هناك توازن بين «حماية العامل من فقدان الوظيفة» و«حماية أصحاب العمل» بالإضافة لتحفيز وحماية المنشآت التي تستهدف خلق فرص عمل بشكل مستمر، وضد استنساخ أنظمة عمل دول أخرى وذلك بسبب اختلاف تركيبة سوق العمل والظروف الاقتصادية فيه، وأتمنى أن يتم تمديد فترة الاستفادة من نظام ساند «التعطل عن العمل» لتصبح سنتين بدلاً من سنة واحدة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية حتى تتضح الصورة بشكل أكبر خلال فترة التحول الوطني.

 

نقلا عن اليوم