على الرغم من أن المملكة بدأت خطوات الاستثمار الأجنبي منذ عام 2000، فإن الواقع كان خجولاً جداً خلال العقد الماضي وذلك بسبب تخوف المستثمرين من دخول السوق السعودية، وكانت هذه الشكوك تحوم حول قوة النظام القانوني في المملكة، وتأثير البيروقراطية على ديناميكية الاستثمار، إضافة إلى أن اختلاف الثقافات الواضح بين الشرق الأوسط بشكل عام والمملكة بشكل خاص مع العالم الغربي، هذا الاختلاف يشكل هاجساً كبيراً لدى المستثمرين بعدم معرفتهم لسلوك المستهلك السعودي والسوق السعودية بشكل عام. ولذلك فإن ضعف دخول المستثمرين الأجانب خلال السنوات الماضية شكّل موجة إحباط بأنه على الرغم من التسهيلات المقدمة من قبل الهيئة العامة للاستثمار في المملكة، فإن النتائج لا تصل إلى التوقعات، ومع كل تشريعات جديدة تعود هذه التساؤلات للظهور، ما مدى قدرة المملكة على جذب الاستثمارات الأجنبية؟
وقد ذاعت أخبار خلال الأيام الماضية تتضمن بوادر اتفاق بين شركتي «أبل» و«أمازون» مع المملكة العربية السعودية ممثَّلةً في الهيئة العامة للاستثمار. وتدور هذه الاتفاقية عن افتتاح متاجر تجزئة لشركة «أبل» في المملكة، وإنشاء «أمازون» لخدمات الشبكة لمراكز بيانات. والجديد -نسبياً- في هذه الاتفاقية أن «أبل» و«أمازون» ستبدآن الاستثمار في المملكة بنسبة ملكية كاملة، ودون ملكية سعودية كما هو معتاد في المملكة. ويتوقع أن يتم الإعلان عن هذه الاتفاقيات بحلول شهر فبراير (شباط) عام 2018. وليس هذا بالجديد كلياً، فقد سبق لشركة «هواوي» الصينية افتتاح معرض تجزئة بملكية كاملة في عام 2017 في المملكة.
بدايةً يجب التوضيح أن هذه الاتفاقيات –إنْ تمت– فهي لا تعني بداية الاستثمار بشكل فعلي، فشركة «أبل» لن تفتتح فروعها قبل عام 2019، وشركة «أمازون» لم توضح بعد متى ستبدأ الاستثمار بشكل فعلي، ولكن وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الإعلانات تشكل أهمية بالنسبة إلى المملكة وخطتها تجاه الاستثمار الأجنبي. على مستوى حجم الاستثمارات الأجنبية المخطط له في المملكة، فإن شركتي «أبل» و«أمازون» تشكل نسبة ضئيلة جداً. ولكن المهم في هذه المرحلة هو انتشار خبر أن هاتين الشركتين ستدخلان السوق السعودية خلال العام القادم. شيوع هذا الخبر يوضح جدية المملكة في الاستثمار الأجنبي، وهو دعاية بلا شك للاستثمار الأجنبي في المملكة إذا تم استغلاله بالشكل الصحيح. ويجب التوضيح من خلاله للمستثمرين الأجانب أن المملكة لا تستهدف صغار المستثمرين فحسب، وإنما تتطلع لجذب كبريات الشركات الناجحة على مستوى العالم. وهو كذلك إيضاح أن جلب الاستثمارات الأجنبية للمملكة ليست مجرد حبر على ورق، وإنما هي مشاريع قيد التنفيذ على أرض الواقع.
أهمية أخرى لهذا الإعلان، هو دحض ما تم تداوله بعد حملة مكافحة الفساد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقد تداول الكثير من الصحف العالمية أن المملكة تستهدف رؤوس الأموال بهدف الجباية، وإنها بهذا التصرف تثبط دخول المستثمرين الأجانب إلى المملكة بزعزعتها للاستقرار في السوق السعودية. أمَا وإنْ وقّعت شركتا «أبل» و«أمازون» اتفاقيات لدخولها السوق السعودية، فإن جميع هذه الادعاءات ستذهب أدراج الرياح، ولو أن السوق فعلاً غير مستقرة لما أقدمت هاتان الشركتان على دخولها. ولا يشك أحد في أن جميع دول العالم تتمنى أن يكون لهاتين الشركتين فروع فيها، كما لا يتوقع عاقل أن هاتين الشركتين ستقدمان على دخول سوق غير مستقرة.
ويتبقى على الهيئة العامة للاستثمار الاستفادة القصوى من دخول هذه الاستثمارات الأجنبية، فالدول تستفيد من الاستثمارات الأجنبية على عدة أصعدة. فإما أن توفر هذه الاستثمارات فرصاً وظيفية للشباب وتحدد الهيئة حينها عدداً من الوظائف والمهن للسعوديين، وإما أن تضيف هذه الاستثمارات إلى الاقتصاد المحلي مثل تنشيط القطاع التجاري أو إنشاء مصانع بهدف التصدير للخارج، وإما أن تضيف إلى الخاص بزيادة التنافسية فيه خدمة للمستهلك النهائي. فلا يشك عاقل أن الكثير من المستثمرين يودّون الدخول إلى السوق السعودية، ولكن المطلوب من الهيئة تحديد مستوى الاستفادة المطلوب من وراء هؤلاء المستثمرين لاقتصاد المملكة، لكي لا تكون المملكة بالنسبة إلى هذه الاستثمارات منجماً لتصدير الأموال من المملكة إلى خارجها، دون أي إضافة على المستويات الوظيفية والتجارية والخدمية والاقتصادية.
نقلا عن الشرق الأوسط