القطاع الخاص المحلي.. من سيبقى؟

27/12/2017 2
محمد العنقري

الميزانية العامة للعام القادم التي أعلنت قبل أيام قليلة جاءت توسعية بما يدعم تحقيق نمو اقتصادي جيد سيكون المحرك الرئيسي فيه القطاع الخاص من خلال الإنفاق الحكومي الراسمالي وبرامج التمويل للقطاع الخاص وهو الذي اعتاد بنشاطه على تأثير الإنفاق الحكومي بنسبة كبيرة جداً، حيث ينتظر ما تحمله الموازنات العامة بالمستقبل دون أن يتحرك ذاتياً ليلعب دوراً رئيساً في قيادة النمو الاقتصادي بعيداً عن تأثير النفط والإنفاق الحكومي، فهل سيبقى القطاع الخاص على هذا الاعتماد الكبير بالدعم الحكومي من توسع بالإنفاق أو برامج الدعم والتحفيز؟

فالاعتماد الطويل الأمد من قبل القطاع الحاص على إنفاق الحكومة ساهم بتراجع تنافسيته وعدم تطور إدائه نحو الابتكار والتطوير، ولعب دور أكثر ريادية في قيادة النمو الاقتصادي ومنافسة الحكومة على الطلب بالسوق المحلي واستغلال الفرص المتاحة دون أن ننسى تأخر بعض التشريعات والأنظمة سابقاً التي ترفع من دور القطاع الخاص بالتنمية كنظام الرهن والتمويل العقاري الذي لم يعتمد إلا من فترة تعد قصيرة قياساً بدول عديدة اعتمدته من عقود إضافة للبيروقراطية بإصدار التراخيص، لكن مع الإعلان عن رؤية المملكة 2030 والبدء بتنفيذ برنامج التحول الوطني الذي يهيء الاقتصاد لمرحلة جديدة الدور الأبرز فيها للقطاع الخاص سيكون الامتحان صعباً عليه لأنه إما أن تختفي الكثير من المنشآت إذا لم تبادر لاقتناص الفرص وتغيير نمط أعمالها وطريقة تفكيرها بالنمو وتوجهاتها الاستثمارية والتوسعية نحو القطاعات المستهدفة حالياً ومستقبلاً أو أنها ستنتقل فعلا لمواكبة تطورات الاقتصاد إذا أيقنت أن عصر التحفيز التقليدي انتهى والانتقال بدأ لمرحلة جديدة سيكون التحفيز الحكومي بطرق وأساليب مختلفة لا ترتكز على دعم أسعار الطاقة إو إعفاءات جمركية أو خدمات مجانية وشبه مجانية من الحكومة.

فالقطاع الخاص المحلي أمامه فرصة كبيرة لقيادة النمو الاقتصادي مع زخم كبير بدعم الحكومة خصوصا بالتمويل حيث أعلن عن برنامج دعم بقيمة 72 مليار ريال لمختلف القطاعات ولمبادارات عديدة تحفيزية للقطاع الخاص بالإضافة لما جاء بالميزانية من توسع كبير وغير مسبوق بتقديرات الإنفاق العام وخصوصاً الرأسمالي ، فمع الخصخصة أيضا الداعم القوي لتوسع أعمال القطاع الخاص لن تنافسه الحكومة بالتنفيذ والإدارة كما كان سابقاً حيث سيكون الدور الرسمي إشرافياً ورقابياً، فمن سيكون المنافس لقطاعنا الخاص؟ إن الجواب على هذا السؤال قد يكون سهلاً ويتمثل بضخ التمويل للشباب المتعلم لإنشاء مشاريع صغيرة تقوم على الابتكار لتكبر وتصبح كيانات تقود عجلة الاقتصاد مستقبلاً لكن ذلك ليس كافياً خصوصاً أنّ رؤية المملكة أمامها تحدي الزمن للوصول لأهداف الرؤية والمتبقي منه حوالي 13 عاماً وهي مدة قصيرة من الواضح أنه يتم اختزالها بإنشاء كيانات كبيرة بمشاركة حكومية عبر صندوق الاستثمارات العامة بالإضافة لمنح رخص كاملة لشركات أجنبية عابرة للقارات من مختلف الجنسيات وهو ما تم خلال العامين الماضيين من عقد مؤتمرات لجذب الاستثمارات للمملكة محلياً وعالمياً بجولات عديدة قام بها المسؤولون في الملف الاقتصادي لبحث فرص التعاون والاستثمار المباشر بالمملكة مع تلك الشركات التي تتنافس الكثير من الدول لجذبها لتوطين التقنية فيها والنهوض بصناعاتها وخدماتها واستثمار مواردها وهي من أبرز مظاهر العولمة، وتم بالفعل تطوير الكثير من الأنظمة لجذب تلك الشركات التي حصل بعضها على رخص كاملة مما يعني أن القطاع الخاص المحلي بشكله الحالي يواجه تنافسية قوية بالمستقبل ليبقى هو الأكثر تأثيراً بالنمو الاقتصادي.

مما لا شك فيه أن القطاع الخاص خدم الاقتصاد الوطني لسنوات طويلة وبعض المنشآت حققت ريادة عالمية لكن بالمجمل فإنه مازال يعتمد على الإنفاق الحكومي أو التحفيز والدعم لأسعار الطاقة واللقيم والإعفاءات والتسهيلات بمختلف أنواعها وهذا ما سينخفض تأثيره جدا مستقبلا مع استكمال الهيكلة الاقتصادية مما يعني أن التنافس سيكون صعبا إذا لم يدرك أن المنافس له كيانات عالمية قوية قادمة ذات إمكانيات وخبرات عالية فإما أن يدرك معنى هذا التحول والانتقال لتنافسية صحية أو تختفي الكثير من الكيانات القائمة حالياً لأنها لم تواكب التطور والانتقال لعصر اقتصادي جديد.

نقلا عن الجزيرة