قد لا يبدو شعار «أولاً» منسجمًا مع توجهات العالم نحو العولمة. ويمكن تبرير وجهة النظر المؤيدة للانفتاح الدولي بأنها تتيح شراكات وتعاونًا بنقل الخبرات ورؤوس الأموال، وغيرها من العوامل الإيجابية التي تتبادل منافعها الدول بين بعضها.. لكن في المقابل فإن شعار أولاً ليس سلبيًّا بكل شيء، بل إنه من خلال إعادة تعريف المصالح يمكن تحديد كيف وأين يطبَّق هذا الشعار، وكذلك تحقيق أهدافه، وخصوصًا عند التركيز على الملفات الحيوية والأساسية في الاقتصاد.
فصحيح أن الجغرافيا تلعب دورًا كبيرًا بعمق المصالح لكن ذلك ليس كافيًا دائمًا لتعظيم المصالح والمنافع؛ فالعمق السياسي والاقتصادي بالعلاقات بين الدول يحدد بنسبة أكبر أهمية وقيمة تلك المصالح والحفاظ عليها، وبما تنعكس به على الطرفين في شتى المجالات والمواقف بمعزل عن الجغرافيا. ولعل الأحداث الجيوسياسية بالمنطقة التي تعصف بها منذ سبع سنوات أظهرت ضعف تأثيرها على اقتصادنا الوطني بما يوضح مدى ضآلة التبادل التجاري بين المملكة والدول العربية غير الخليجية، التي تميل الكفة لصالح الكثير منها؛ إذ تعد أسواق المملكة من الأكبر لصادراتها بينما وارداتها من اقتصادنا محدودة نظرًا لظروف عديدة، من أهمها أنها اقتصاديات صغيرة، لكن استفادتهم من اقتصاد المملكة تبدو أكبر في جوانب عديدة، أبرزها حجم عمالتهم التي فتحت المملكة أبوابها لهم بينما يظهر مدى عدم المبالاة بأهمية هذه المصالح بين دولهم والمملكة بمواقف سلبية، صدرت بالمستوى الشعبي والإعلامي، وأحيانًا بالرسمي، دون أي تقدير لحجم المصالح التي تستفيد منها دولهم بعلاقتها مع المملكة من توظيف لمئات الآلاف من أبنائهم بالمملكة، والحوالات المالية لاقتصادياتهم، وصادرات بضائعهم للسوق المحلية، والمساعدات الإنمائية من طرق ومدارس ومستشفيات وغيرها.. ويمكن لأي مهتم أن يجد أرقامها ومعلوماتها مفصلة بتقارير «الصندوق السعودي للتنمية» على موقعه الإلكتروني.
فمعروف أن المملكة تدعم القضايا العربية والإسلامية العادلة كافة، ولم ولن تتخلى عنها، وقدمت الكثير من الدعم بأشكال مختلفة منذ تأسيسها لنحو 83 دولة، شملت جُل الدول العربية والإسلامية، إلا أن شعار «أولاً» يمكن أن يكون إيجابيًّا في تحديد مدى المنفعة الحقيقية من التعاون والانفتاح مع تلك الدول حتى وإن كانت عربية أو قريبة جغرافيًّا؛ فاقتصاديًّا كثير من هذه العلاقات تعد خاسرة للمملكة بميزان الربح والخسارة؛ ما يستوجب الأخذ بمعيار المصالح الحقيقية، ومقدار انعكاسها على الاقتصاد الوطني، إضافة إلى تقييم المنافع المتحققة من تاريخ تلك العلاقات مع الدول كافة التي لا تشكل إضافة للاقتصاد الوطني بمقدار ما تستفيده من علاقتها بالمملكة.
إعادة النظر بتعريف المصالح الاقتصادية مع الدول كافة، وخصوصًا التي تميل الكفة لصالحها من خلال فرص العمل الكثيفة لأبنائهم التي يمكن للمواطنين شغلها، وكذلك صادراتهم والحوالات المالية لاقتصادهم بتحويل جزء كبير من المنافع التي ينالونها لداخل الاقتصاد الوطني بزيادة التوظيف للمواطنين بالإحلال، وتقليل الواردات من بضائعهم لصالح زيادة الإنتاج المحلي، وغيرها من المنافع، تُعد معبرًا بشكل إيجابي عن شعار السعودية أولاً، وتعيد التوازن للعلاقات الاقتصادية مع تلك الدول.
نقلا عن الجزيرة