«المعرفة» ليست لها قيمة في ظل وجود الفساد، ولكن الفساد ليس كل العوائق، الفساد عنصر مهم لتعثر التنمية في كل الدول، ولكن متى ما تم القضاء عليه تبقى المشكلة الأكبر وهي «المعرفة». اختزال التعثر التنموي بالفساد يعتبر تجاهلا لقيمة «المعرفة»، وافتراض وجود «المعرفة» بدون توافر لعواملها أيضا تجاهل لقيمتها.
غالبية الطرح في برامج التواصل الاجتماعي تفترض عدم أهمية وجود «المعرفة» كعنصر أساسي في البناء التنموي وكذلك الاجتماعي والهندسي والإداري وبقية القطاعات، وهذا شهدناه كثيرا في الحوارات حول مشكلة «غرق سيول جدة» مؤخرا. الكثير يعتقد أن التخصص أو التعيين بحد ذاته كاف للقيام بمهام أمناء المناطق ومدراء الأقسام في الوزارات وحتى الوزراء ونوابهم ووكلائهم.
بوضعنا الحالي لا توجد آلية لتقييم مستوى الشخص المسؤول «المعرفي» وكفاءته حتى يفشل وتتعثر الأعمال ثم ينكشف مستواه وتنكشف قدراته. التعيينات إذا كانت واضحة لنا فهي تعتمد فقط على كتابة السيرة الذاتية والتزكية من أشخاص آخرين، ولكنها ليست مبنية على بروفايل متكامل للقيام بتلك المهام، ولو عرض بعض أصحاب المناصب سيرته الذاتية في برنامج «لنكد إن» ربما لن يجد من يطرق عليه الباب ولن يتلقى عروض عمل.
كتبت مقالا العام الماضي بعنوان «معايير تعيين الكفاءات»، ولكن هذا ليس حديثنا اليوم. حديثنا عن أهمية الوعي بأن «المعرفة» عنصر أساسي في معادلة البناء والعطاء.
التعليم قبل «المعرفة»، وهو أساس البيئة الصالحة للعلم والمعرفة والثقافة، ومع الأسف إذا نظرنا لمستوانا بين الدول في المسابقات والمنافسات المعروفة فإننا دائما لا ننافس في المقدمة ولا في الترتيب المقبول. وعندما نخرج أبناءنا وبناتنا في الجامعات ونخضعهم لاختبارات «القياس» فأكثر من نصفهم لا يتخطون النتائج المعترف عليها بأنها درجة النجاح.
وزارة التعليم هي من يخرجهم، وهي أيضا من يختبرهم بـ «قياس» وتعلن فشلهم!
نحن هنا نتحدث عن الغالبية المؤثرة وليس عن كل الحالات، فهناك نماذج نفخر بها ورأيناهم في الحصول على حلول طبية متقدمة وبراءة اختراعات وقيادة أقسام حساسة في مستشفيات بالولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا. وشهدنا أيضا نماذج ممتازة في تخصصات أخرى.
محور آخر ومهم، وهو البرامج الإدارية والمهارات، فبالأساس لا توجد لدينا مراكز تدريب على مهارات مهمة مثل برامج «إدارة التغيير» أو «صناعة القرار» أو «التخطيط الاستراتيجي» أو حتى «تحليل القوائم المالية»، وكذلك التخصصات الفنية مثل «أمن الكمبيوتر والبرامج»، جميع هذه البرامج يسافر لها شبابنا وشاباتنا للخارج لتعلمها، فعدم تواجد هذه المراكز والبرامج محليا يعني افتقارنا لها.
جامعاتنا تتسابق وتجتهد في إدراج نفسها في ترتيب متقدم بين جامعات العالم، وسؤالي لها: هل يوجد «برنامج تنفيذي» غير أكاديمي في أي من جامعاتنا؟ هل يوجد لدينا في الجامعات المحلية برامج لـ «الحذاقة المالية» أو «الدمج والاستحواذ» أو «ريادة الأعمال» خارج البرامج الأكاديمية؟ وإن وجد فهو قليل جدا ولا يذكر.
جميع ما ذكر أعلاه هو ما ساهم في اختزال أهمية «المعرفة» لدينا حتى أصبح الكثير لا يعي أهميتها، وجعلنا نفترض أنه متى ما أردنا عمل شيء سنستطيع عمله بمجرد أن ننوي عمله، ورمينا خلفنا كل ما تعمل عليه الدول المتقدمة جاهدة لتبقى ضمن المنافسة.
تجاربنا الناجحة في السابق لن تعود مجدية، فالزمن ليس كالزمن السابق، نحن في زمن إعطاء مسؤوليات وتقييم ومحاسبة، رؤساء الشركات الذين نجحوا في زمن مضى كان شبيها بالدلال وضعف في قوانين المشاريع الحكومية، وسلطة الشركات الكبيرة والاحتكار، وهذا كله لن يعود مجديا، نحن مقبلون على زمن البقاء للمتسلح بالعلم والمعرفة والمسؤولية في القطاعين الخاص والحكومي، والنجاحات تنطلق دائما من «المعرفة».
نقلا عن مكة
التعليم لدينا مستودع للتوظيف الحكومى وضمان الوظيفة الأبدية. أعان الله الوزير الحالى فى مسعاه لإصلاح الخلل !