من الذي أيقظ العملاق؟

09/11/2017 1
عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

تحتل السياسة المالية في منظومة الاقتصاد مكانة مهمة جدا حيث تهدف الدول من خلالها الي التأثير على الاقتصاد عبر التأثير على الطلب الإجمالي وتشغيل الموارد ومعها يتغير الناتج المحلى، وتتخذ السياسة المالية اتجاهين اما سياسة مالية توسعية او سياسة مالية تقشفية، ولكل منهما اهداف وادوات تستخدم حسب الحاجة ووضع الاقتصاد، وبشكل تقليدي، كانت وزارة المالية هي الجهة الأوحد في تحديد وتنفيذ السياسة المالية حيث يتم تحديد الانفاق من حيث الحجم والطريقة والجهة بالتنسيق معها وجدولة المشاريع ومن ناحية أخرى هي من يحدد حجم إصدارات الديون وتوقيتها وهو امر طبيعي ومنطقي، لكن يلاحظ اليوم بدأ دخول جهة أخرى منفصلة عن إدارة وزارة المالية تقوم بعمل يتداخل مع أدوات السياسة المالية وهو صندوق الاستثمارات العامة.

في عام 2015 تم اعلان انفصال الصندوق عن وزارة المالية وانتقال الاشراف عليه الي مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وبعد ذلك تم تأسيس مجلس إدارة يرأسه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبهيكلة جديدة وتنظيم وحوكمة عالية ليتم اطلاق الصندوق بشكل مغاير تماما لما كان عليه سابقا، حيث كان الصندوق ينتهج سياسة استثمارية متحفظة جدا مع عدم وجود اهداف استثمارية واضحة ولا يوجد أي تأثير باي شكل كان في الشركات التي كان يستثمر بها، حيث اقتصر حضوره بخمول عجيب وبممثلين شكلين في مجالس الإدارات بدون محاولة تعديل او التأثير على هذه الشركات رغم الملكية الكبيرة فيها، اليوم ومع التغيير الكبير في الهيكلة ووضوح الأهداف سوف يأخذ الصندوق زمام المبادرة في فرض رؤيته على الشركات المستثمر فيها ليفعلها ويزيد من كفأتها ومن عوائدها، لكن الي هنا والصندوق يضل في زاويته كمستثمر، وهذا ليس كل ما لدى الصندوق، حيث وحسب الإعلانات في اخر ثلاث شهور، سوف يقوم الصندوق بالاستثمار وإدارة مشاريع ضخمة جدا وغير معهودة في المملكة في اطار ليس له علاقة بالإنفاق الحكومي التقليدي عبر وزارة المالية بل وقد يقارب (وهذا محتمل) ما سوف ينفقه الصندوق مع شركائه من القطاع الخاص على مشاريعه ما تنفقه وزارة المالية على مشاريع الدولة (وليس على التشغيل والرواتب) وهو بكل تأكيد انفاق عالي يتداخل ويؤثر على السياسة المالية، سواء عبر انفاقه على مشاريع البنية التحتية او مشاريع الطاقة او تأسيس شركات كبيرة في عدة قطاعات، كل ذلك سوف يؤثر على اجمالي الطلب داخل الاقتصاد ويعزز السياسة المالية التوسعية، إضافة الي ذلك الصندوق بدوره سوف يلجأ الي الاقتراض في حال الحاجة عن طريق اصدار صكوك لأصول معينة وهذه أداة من ضمن أدوات السياسة النقدية، وطبعا ومتوقع ان اصدار أدوات الدين لا علاقة له بمكتب الدين العام التابع لوزارة المالية، وكما نعلم ان أدوات التمويل للصندوق تأتي من عدة مصادر أولها من الدولة بشكل مباشر اما عن طريق التحويل من الاحتياطي او تحويل عوائد عملية التخصيص اليه او عن طريق إعادة استثمار الأرباح والعوائد المتحصلة من الاستثمارات او أخيرا عبر أدوات الدين.

اذن وحسب اعتقادي ان التداخل بين الصندوق ووزارة المالية موجود وسوف يزيد مع الوقت مع العلم ان كلتا الجهتين يتبعان الحكومة لكن يجب فهم حجم التداخل مستقبلا وكيفية إدارة السياسة المالية والنقدية من المنظور الشامل وبالنظر الي كلتا الجهتين بدون اغفال نشاط وإنفاق الصندوق بالذات، وكيفية وحجم التأثير على الطلب الكلي والتضخم، خصوصا عند توافق سياسة وزارة المالية واتجاها نحو التوسع فهنا سوف يكون قوتان دافعتان نحو سياسة مالية توسعية، كذلك ما هو الوضع عند اندفاع الصندوق نحو الاستثمار الداخلي وضخ سيولة وفي نفس الوقت السياسة المالية والنقدية التقليدية تميل نحو التقشف سواء بتقليل الانفاق او زيادة الرسوم والضرائب او اصدار أدوات دين.

ختاما لا يمكن اغفال الدور المتعاظم للصندوق ودخوله كلاعب أساسي وبشكل متوازي للإنفاق الحكومي التقليدي في منظومة الاقتصاد المحلى ولابد من ربط نشاطه الاستثماري المستقبلي ومشاريعه مع السياسة المالية والنقدية على حد سواء، قد لا يتصور البعض حجم التغير الكبير في الاقتصاد او في إدارة السياسة المالية في السنوات القادمة، أوكد انه في حال نجحت عملية التحول الداخلي في الصندوق ونجحت المبادرات التي سوف يعمل عليها سوف نجد ان صندوق الاستثمارات العامة قد اخذ الزمام في إدارة الاقتصاد واصبح المحرك الأكبر داخليا بحجم أصول ضخم وقدرات اكفأ واسرع في التجاوب للمتغيرات الاقتصادية وفاعلية غير مسبوقة في إدارة استثماراته المتعددة، وهو في تصوري العمود الفقري (ماليا) في الرؤية السعودية 2030 وبدونه لن تتحقق الكثير من الأرقام الاقتصادية المستهدفة، لذلك صندوق الاستثمارات العامة كعملاق كان خاملا لكن ايقظته يد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.