تشكيل لجنة عليا بأمر ملكي لمكافحة الفساد يعد تأسيساً لمرحلة جديدة تسودها الشفافية والعدالة والمساواة في الفرص أمام الجميع وحفظ للمال العام ورسالة قوية لكل من يتولى مسؤولية بأن يكون مؤدياً لعمله بالأمانة والإخلاص حتى تتعزز الفرص لنجاح التحول الاقتصادي المنشود ضمن رؤية المملكة الاستراتيجية التي ركزت على الشفافية كأحد أهم عوامل نجاحها -بإذن الله-.
فالفساد له أضرار فادحة اجتماعياً وأمنياً وسياسياً أما بالشق الاقتصادي فقد اتفقت الكثير من الدراسات والبحوث على أنه يؤدي لكوارث مع استفحاله وعدم استئصاله على جوانب عدة، إذ إنه يلعب دوراً بضعف النمو الاقتصادي فاحتكار الاستثمار والعقود بيد قلة تغلب القوانين لمصلحتها يؤدي لعزوف المستثمرين المحليين والعالميين لصالح من ارتبط بمسؤول استغل سلطته لترسية العقود على من يرتبط معهم من قطاع الأعمال، وبذلك تُقتل روح المنافسة بالاقتصاد ويخرج الكثير من السوق ممن يبحثون عن فرص للاستثمار، خصوصاً المنشآت الصغيرة وهذا يضعف النمو بالقطاعات كافة، وبالتالي يؤدي للأثر السلبي الكبير وهو تفاقم البطالة وارتفاع معدلاتها كون توليد الوظائف المناسبة والمستدامة ينخفض مع ابتعاد المستثمرين، كما أن ترسية العقود أو الرخص لا يكون للأفضل بل لمن تربطهم المصالح من مسؤول وتاجر، وهو ما يؤدي لاحتكار أو تعثر بالمشروعات أو رداءة بالتنفيذ والجودة.
ويضاف إلى سلسلة الآثار السلبية ارتفاع التضخم فرفع التكاليف من خلال المبالغة بقيمة العقود يؤدي إلى تضخم وينعكس على تكاليف المشروعات والاستثمار ويصل إلى تكاليف المعيشة إذ يضعف قدرة الأسرة والفرد على تلبية احتياجاتهم الأساسية ويخفض من حجم الطبقة المتوسطة ويزيد بعدد الفقراء مع الزمن، إضافة إلى فقدان المشروعات العامة لجدواها الاقتصادية وانخفاض العائد منها وانخفاض بتقييمها في حال الرغبة بخصخصتها قياساً بتكلفتها المرتفعة بسبب الفساد مما يضر بالتوجه نحو الخصخصة لانخفاض جاذبية العروض التي تقدم من المستثمرين الذين لن يضعوا أسعار إلا وفق قيم عادلة يؤخذ بعوامل عديدة فيها كمقارنة التكاليف دولياً، فتجد تكلفة مشروع واحد تكفي لإنجاز عدة مشروعات مشابهة مما يؤدي أيضاً لتأخر بتحسين الخدمات وإنشاء البنى التحتية والمرافق بالمناطق والمدن كافة حسب الخطط الموضوعة، نظراً لارتفاع التكاليف وعدم القدرة على اعتماد المخصصات اللازمة بالموازنة العامة لكل المشروعات التي تطلبها الوزارات والهيئات الرسمية سنوياً.
المملكة احتلم مرتبة متأخرة عند 62 بتقرير منظمة الشفافية العالمية للعام 2016 وقرار تأسيس لجنة عليا لمكافحة الفساد ما هو إلا البداية القوية نحو تعزيز مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص لتحقيق تنمية مستدامة وتحسين بترتيب المملكة في مؤشرات المنظمات العالمية المعنية بتقييم مستوى النزاهة بالدول لما له من تأثير بالغ بجذب الاستثمارات العالمية.