قبل فترة قدمت محاضرة عامة في أحمدية المبارك بالأحساء، وكانت عن الإدارة المالية الشخصية، أي عن كيف يمكن للفرد أن يدير أمواله.
وتوقعت ما الذي كان يريده جمهور الحاضرين. لذا كان أول ما أشرت إليه عند بداية المحاضرة حينها أن الهدف من المحاضرة ليس تحديد الدخل الأنسب أو ما الذي يجب عليك شراؤه من أسهم أو كم من المال ينبغي عليك ادخاره أو غيره من النصائح التي عادة ما تكون في شكل أرقام مطلقة.
الناس تفضل ذلك، لأنه أسهل بالنسبة لهم أن تحدد لهم كم ينفقون وكم يدخرون في شكل أرقام محددة أو نسبة إلى دخولهم، بدلا من التفكير طول الوقت في طريقة تطبيق مبادئ الإدارة المالية الشخصية.
الكثير تفاجأ في البداية، لكنني أعتقد أنني نجحت مع نهاية المحاضرة في إقناع الكثير أن الإدارة المالية الشخصية هي أن تعرف نفسك ثم تضع أهدافك المالية المتوسطة وطويلة الأجل، ثم تخطط لبلوغ تلك الأهداف.
والتخطيط المالي قد يختلف واقعيا عن معنى (وضع خطة). صحيح أن وضع خطة مهم، لكن الأهم أن تستمر في التخطيط، بمعنى آخر أن تعدل في خطتك كل وقت حسبما تقتضي الظروف.
في بعض الحالات يسألني بعض الأشخاص، لدي استثمار (مثلا 300 ألف ريال) هو كل استثماراتي، استثمرتها في أسهم المراعي. فمتى تنصحني بالبيع؟ وكيف تتوقع أن تكون الأسعار بعد شهر أو ثلاثة أشهر؟
جوابي عادة: لا أعلم أين ستتجه الأسعار، لكني أعلم أنك تقوم بشيء خاطئ وهو وضع كل مالك في استثمار واحد. صحيح أن شركة المراعي تبلي بلاء حسنا، ولديهم مشروعات توسع باستمرار، واستحواذات بالجملة، لكن لا أحد كان يتوقع أن شركة مثل سعودي أوجيه يمكن أن تفلس، (كانت ثاني أكبر شركة مقاولات بالمملكة).
القرارات الفردية للاستثمار في كثير من الحالات لا تخضع لمنطق العقلانية (Rationality) الذي تفترضه النظرية الاقتصادية التقليدية، بل غالبا تكون خاضعة للعواطف. ينقل كانمان (Kahneman) وهو عالم في مجال الاقتصاد السلوكي وحاصل على جائزة نوبل سنة 2002، بل يعتبره البعض الأب الروحي لعلم الاقتصاد السلوكي، يذكر في كتابه: (التفكير: بطيء وسريع) أنه سأل مدير استثمار عن سبب اختياره لسهم شركة فورد لاستثمار مبالغ وصلت مئات الملايين من الدولارات، فكان رد المدير صادما لكانمان، قال: (أنظر إلى سياراتهم كم هي رائعة!).
خلاصة الأمر: الإدارة المالية الشخصية هي أن تعرف نفسك (ما هي مصادر دخلك)، ثم تحدد أهدافك (تقاعد مريح، ترك أوقاف خيرية)، وتضع خطة قابلة للتعديل لبلوغ أهدافك.
خاص_الفابيتا