الركض في الزمن الضائع

26/10/2017 3
عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

خلال السنوات العشر الماضية شهدت عدة قطاعات توسعات ودخول استثمارات كبيرة فيها كان من ابرزها قطاع الاسمنت والتشييد والبناء، زاد خلالها عدد الشركات العاملة في قطاع الاسمنت بمقدار الضعف من 8 شركات عام 2007 الي 16 شركة حاليا وفي نفس الوقت زادت اربع شركات قديمة من طاقاتها الإنتاجية، لترتفع الطاقة الإنتاجية للقطاع من 30 مليون طن تقريبا الي اكثر من 60 مليون طن السنة الماضية، بلا شك هذا التطور والنمو القوي في هذا القطاع له تأثير كبير على السوق وعلى جميع الأطراف (المستثمرين، العملاء وغيرهم) لكن هل هذا الاندفاع بالتوسع والاستثمار كان مدروس بشكل جيد؟ وهل هو صحي للسوق؟ ولماذا تم التوسع بهذا الشكل؟

في البداية من المناسب ان نذكر ان ما حدث مع قطاع الاسمنت يتكرر بشكل دوري وطبيعي في اغلب القطاعات الاقتصادية وفي اغلب دول العالم، حيث تمر اغلب القطاعات بما يسمي بالدورات الاقتصادية، حيث تبدأ بمرحلة النمو ثم النضج ثم الانحدار ثم القاع ثم النمو من جديد وهكذا وبشكل طبيعي تتكرر الكثير من الممارسات الخاطئة بين الشركات والمستثمرين والرؤساء التنفيذين في نوعية القرارات والاهم توقيتها، حيث تتم كثير من قرارات التوسع والاستثمارات في مرحلة النضج بالنسبة للدورات حيث يتصف السوق بالقوة وتعود الذاكرة (قصيرة الاجل) على الاداء والنمو للقطاع خلال السنوات القليلة الماضية وهو ما يغرس الثقة لدى المستثمرين وصانعي القرار في اتخاذ قرارات التوسع او الاستثمار وهو الخطأ الذي سوف يعانون منه لاحقا، فعلى السبيل المثال، قطاع الاسمنت عاش طفرة قوية من اول سنوات القرن الحادي والعشرين وزادت قوتها وزاد الطلب بحدود عام 2005 ولتزداد اكثر من بعد 2007 حتى اضطرت الدولة لمنع التصدير عام 2011 وبل استيراد الكلنكر عام 2013، ولتصل ذروة النشاط في عام 2014 وبعدها تبدأ الدورة بالنزول ويتراجع النشاط والطلب عند وصول العرض عند اعلى حالاته وهو ما زاد مشكلة هذا القطاع، عرض وطاقات إنتاجية ضخمة وكبيرة وطلب يتراجع مما أدى كنتيجة حتمية الي تخفيضات بالأسعار بشكل غير معهود من هذه الشركات ولكن كل ذلك لم يكفي فما زال الطلب اقل بكثير من العرض ليتراكم المخزون الي مستويات قياسية وبالتالي بدأت بعض الشركات بإيقاف بعض خطوط الإنتاج كمحاولة منها لتقليص التكاليف واحتواء مشاكلهم.

بكل تأكيد ما حدث مع قطاع الاسمنت حدث بشكل او باخر مع قطاعات أخرى مثل الحديد وقطاع البناء بشكل عام وقد يحدث مع قطاعات أخرى مثل التجزئة او البتروكيمكال او الرعاية الصحية وغيرهم، حيث يعتقد المستثمرين ان التوسع دائما جيد او ان الطلب سوف يستمر قوي وهذا في ارض الواقع قد لا يتحقق، بل ومن الخطر بناء القرارات على مثل هذه الافتراضات، بل يجب مراعاة الدورات الاقتصادية ومحاولة تحديد وضع السوق وفي أي مرحلة من مراحل الدورات هو اليوم وهي مهمة ليست بالسهلة، فبعد تحديد اين يقع السوق بين مراحل الدورات سوف تسهل عملية اتخاذ القرار ومدى ملائمة وقدرة الشركة على تحمل التقلبات والاستعدادات المطلوبة او في تأخير او الغاء قرارا التوسع.

ان تكلفة المضي قدما في التوسع او الاستثمار في الوقت الخطأ او في الدورة غير المناسبة تعتبر عالية وقد تؤدى الي افلاس الشركات وخروجها من السوق سريعا، خصوصا في الاستثمارات العالية الاحتياج للأصول الثابتة مثل المصانع، حيث ان الاستثمار في الأصول الثابتة يحتوي على عدة مخاطر وخصوصا إذا كان التوقيت خاطئ من هذه المخاطر:

1-الاستثمار في الأصول الثابتة لا يعطي بالعادة مرونة في التخارج إذا أراد المستثمر الخروج لأي سبب كان.

2-الأصول الثابتة تأخذ وقت طويل حتى تبدأ في الإنتاج وفي نفس الوقت عوائدها ترتفع تدريجيا وليست سريعة.

3-بسبب التكاليف العالية وحجم رأس المال لهذه المشاريع يضطر المستثمر الي اخذ قروض بنكية لتغطية التكاليف والتأسيس وهو ما يعني تكاليف مالية سنوية وضغوط لسداد القروض حسب جدولتها والتي قد لا يساعده السوق في تغطيتها كسيولة نقدية.

هذه فقط نبذة للمخاطر التي سوف يواجهها المستثمر عند التوسع او الاستثمار الجديد وتزداد خطورتها عند التوقيت الغلط من الدورات الاقتصادية.

ان واقع قطاع الاسمنت وكذلك التشييد والبناء لهو أفضل مثال لما يمكن ان يؤدى اليه التوقيت الخاطئ في الاستثمار، وحتى هذه اللحظة لا تبدو ملامح القاع لهذا القطاع واضحة حتى نتحدث عن الانتعاش القادم او الدورة الجديدة، ان اهم نصيحة تقدم للمستثمرين هي اختيار التوقيت المناسب وان لا يصبحوا مثل من يقود سيارته بسرعة وامامه الإشارة تتبدل من الأخضر الي الأصفر فبدل ان يخفف من السرعة يزيدها مما يعرضه الي مخاطر الاصطدام بشكل شبه مؤكد.