منذ بعض الوقت وأنا أكتب عن الشركات العائلية ، وما أكتبه اليوم يمثل تجربة حقيقية تندرج في السياق نفسه. ورغم أني أتابع مآلاتها بحكم صلة الرحم وأواصر القربى إلا أني أود تلخيص الحكاية للفائدة. فهي عمل تجاري عائلي كان ناجحاً ثم تحول لقضية عمرها أربعون عاماً. بدأت القضية كالعادة بانتقال أحد الشركاء إلى الدار الآخرة. وكان مدخلها حصر الورثة وتعقيدات تسوية أوضاع الشراكة. ثم تداخلت هذه الجوانب فحالت دون حسم توزيع الحصص بين الورثة أو تصفية التركة. ولاشك أن أمثلة ذلك كثيرة على نحو يصعب حصره، فهي على «قفا من يشيل» كما يقولون.
ومع أن موضوع النزاع في تركة الميراث العائلي بالشركات العائلية قُتل بحثاً، ولكن محركات النزاع نفسه تتجدد وقلما دُرست أو درس دور المحامين في المساعدة أو زيادة حدة النزاع بالشركات العائلية. المحامي كما يقول الغربيون كالبلسم على الجرح مثلما أنه باب لسجال قانوني لا ينتهي. صحيح أن أصحاب الشركات يتحملون مسئولية من حيث الالتزام بنظام الشركات فضلاً عن نصوص الشريعة الإسلامية أياً كان نوع المنشأة سواء تضامنية أو ذات مسئولية محدودة أو مساهمة عامة أو مقفلة. ولكن بعض المحامين عليهم مسئولية من حيث سد النقص الحاد في ثقافة التعامل مع الأسر التجارية، فلدى بعضهم ميل للتوجس القانوني الزائد عن اللزوم من استمرارية الشركات العائلية بسبب ما يرى من طبيعة العلاقات المعقدة بين أطرافها. فالمحامي الذي ليس لديه مهارات يدرك بها معاني العلاقات الأسرية سيندفع بتفكيره في فتح باب الشر سواء بتفسيره الحرفي لعقود التأسيس أو اعتقاده الجازم باستحالة الشراكة بين شركاء متشاكسين مما يشعل عمداً أو جهلاً استفزازات بين الورثة أو يستقطب طرفاً ضد الآخر. وهو ما سيغرق الجَمل بما حمل في لُجَّة من النزاع والتقاضي الذي لا ينتهي.
لهذا هناك من يرى أن الدخول لمكاتب بعض المحامين يعني قتل الشراكة العائلية والقضاء على أواصر المحبة. والبديل اللجوء لمن يثقون فيه من الأهل وأولي القربى. وهو ما يعني ضرورة تطوير مهارات المحامين بحثِّهم على الانضمام لدورات متخصصة في الشركات العائلية وثقافتها. لاكتساب مهارة التعامل مع مقتضى الحال وإدراك مخاطر تفكيك الشركات العائلية وانعكاسه على الاقتصاد الوطني.
وتقتضي الموضوعية أن يكون هناك سجل للمحامين الذين لديهم مقدرة تميزهم فى تسوية الخلافات بين الورثة بحيث يتم التنويه بسجلهم في تسوية النزاعات وتشجيع الاستمرارية. وفي المقابل ينبغي أن يكون هناك سجلٌ لمن يدفعون بالشراكات العائلية إلى المحاكم وإلى التطويل والتصفية وحل الشركات.
إن دور المحامي أصبح يتنامى في الاقتصاد وفي الشركات، فلابد من الانتباه حتى لا يكون المحامي من ضمن المخاطر التي تحيط بالشركات العائلية والاقتصاد الوطني.