أعلنت هيئة سوق المال عن حزمة من التعديلات في لوائح الأشخاص المرخص لهم تهدف بشكل أساسي تسهيل البيئة التنظيمية لصناعة استثمارات رأس المال الجريء وصناديق الملكيات الخاصة، ان من الملاحظ ان هذه الصناعة لم تتطور كما يجب في السعودية سواء من حيث نسبتها من اجمالي الأصول او من الناتج المحلى، وفي الحقيقة ما زالت ارقام الأصول غير واضحة وغير دقيقة مما يدل على غياب الاهتمام بها خلال السنوات الماضية، لكن هذا الإهمال لا يمكن (وليس من الصحي) ان يستمر، حيث ان هذا القطاع مهم جدا لأي اقتصاد ولقد تطور خلال العقود الأخيرة في العالم، حيث برز بشكل ملفت في الثمانينات من القرن الماضي واستمر بالنمو الكبير كصناعة ونمو مع حجم الاقتصاديات الي هذا اليوم، تكمن أهمية استثمارات وتمويل رأس المال الجريء في عدة نقاط من ابرزها:
1- تساهم هذه الاستثمارات في تنشيط الاقتصاد ورفع حجمه عبر السماح وإعطاء التمويل لمنشئات حديثة وناشئة ومن ثم لتكبر وتنجح، وهذا فيه مساهمة مباشرة في تعظيم الناتج المحلى.
2- بطبيعة الحال عندما تساهم هذه الاستثمارات في مساعدة المنشآت لتستمر وتكبر سوف يتم خلق وظائف وبالتالي تنخفض نسب البطالة.
3- ساهمت في تطور التقنية عبر استثمارها وتمويلها لشركات تقنية عالية الخطورة وغير مضمونة النجاح او العمل، وكثير من (ان لم يكن اغلب) الشركات التقنية الكبيرة اليوم بدأت باستثمارات رأس المال الجريء، ولولا هذه الأموال لربما لم نشاهدها اليوم، بالإضافة الي قطاع التقنية عملت هذه الاستثمارات على دعم ما يسمي بنماذج الاعمال المخربة او المربكة (Disruptive innovation or business models) وهي اعمال تغير طريقة تقديم الخدمة او المنتج وتفتح أسواق جديدة لقطاعات قائمة وتقضي في الغالب على النظام القديم، ولعل افضل مثال لها ما يسمي بالخدمات الاشتراكية مثل شركة اوبر Uber او (اير بي ان بي) Airbnb ، والتي اليوم أصبحت تقيم بعشرات المليارات وحققت مكاسب ضخمة لكل من استثمر بها عندما كانت مجرد نموذج غير مضمون النجاح.
من الواضح ارتباط هذه الاستثمارات في قطاعات الاعمال الغير مضمونة سواء من ناحية التقنية او النماذج المربكة ويدل على ذلك حجم هذه الصناديق او الاستثمارات في أمريكا والتي ترافقت مع نمو وادي السليكون Silicon Valley الذي يضم اكبر الشركات التقنية في العالم، فلا يمكن فك الارتباط بين وادي السليكون وصناديق رأس المال الجريء، فلولا (بجانب عدة عوامل أخرى) صناعة رأس المال الجريء لم يتطور هذا الوادي، اليوم نجد ان اغلب دول العالم وخصوصا المتقدمة لديها أصول كبيرة تدار من قبل صناديق رأس المال الجريء، بلغ ما تم ضخه من قبل هذه الاستثمارات في أمريكا لوحدها العام الماضي ما يزيد عن 50 مليار دولار، وحاليا تنمو بشكل متسارع في الصين حتى ان التوقعات تشير الي تجاوزها لأمريكا خلال السنوات القادمة مما يدل على أهميتها في منظومة التطور الاقتصادي.
ان من أبرز المناطق القريبة من السعودية التي برزت على خارطة استثمار المال الجريء هي دبي حيث ضمت أكثر الصفقات واحتوت الشركات الناشئة عبر برامجها المتطورة والسهلة لممارسة الاعمال في بيئة مناسبة جدا لها واليوم تعتبر دبي هدف لكثير من ريادي الاعمال حول العالم العربي والعالم بشكل عام وكنتيجة حتمية أصبحت مركز لكثير من صناديق رأس المال الجريء.
اعتقد ان مستقبل هذا القطاع في السعودية سوف يتحسن ويكبر بشكل جيد والسبب التحسن المستمر في تهيئة المنظومة الاستثمارية ولعل من اخرها التعديل في الاشتراطات واللوائح من قبل هيئة سوق المال وقد سبقها إطلاق السوق الثانوية والتي سوف تكون المخرج المناسب لهذه الاستثمارات في المستقبل، وكذلك إطلاق هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي مطلوب منها مساعدة ريادي الاعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة ليمارسوا أعمالهم واحتضانهم وتقديم المساعدة حسب منطوق عمل الهيئة.
ختاما لا يكمن تصور نمو هذا السوق او هذه الصناعة بدون تكامل جميع أجزاء المنظومة مع بعض، بداية من تسهيل ممارسة الاعمال وتسريع الإجراءات وجود المزيد من الحاضنات ومسرعات الاعمال وتوفر التمويل وجاهزية ووجود صناديق واستثمارات رأس مال جريء لتمول واقتناص الفرص المناسبة تختم بوجود القناة المناسبة لتخارج الاستثمارات بطريقة سلسة واقل تكلفة عبر سوق ثانوي يستقبل هذه الطروحات عندما تصل الي مرحلة مناسبة من حياة الشركة والتي في العادة تكون من 5 الي 7 سنوات من نشأتها بشرط ان تكون نجحت في اثبات نموذج العمل او التقنية.