"عندما يكون الشخص يمثل واحد فى المليون فهذا يعنى اننا سنحصل على 1300 من نفس شاكلته"، هذه العبارة التي لخًص بها بيل جيتس واقع الصين فى اشاره قويه لفاعليه العدد الضخم من السكان وقدرته على البناء وتحريك الراكد، وإذا كانت الصين قد اضافت اماكن لاكثر من 27 مليونا داخل جامعاتها وكلياتها الفنيه وهو عدد ليس بالهين على الاطلاق حتى على المستوى العالمي، فلك أن تتخيل كم المساهمات المنتظره من هذا العدد لدفع عجله التنمية الاقتصادية داخل الكيان الصيني؟؟؟ وفى الوقت الذي تتقلص فيه المنح الدراسيه بالجامعات الامريكيه نجد كليه التكنولوجيا بهونج كونج تعطى 50 منحه دراسية؟؟
وربما يلخص "تونج تشي هوا" وهو أول حاكم صيني لهونج كونج بعد تسلمها من الانجليز عام 1997 حال الواقع الصينى عندما قال: كانت الصين نائمة خلال الثورة الصناعية، وكانت تستيقظ من نومها اثناء الثورة التكنولوجيه" وهى العباره التى حاول توماس فريدمان تفسيرها ونجح في ذلك إلى حد كبير وهو ما ذكرني بمناقشه دارت بيني وبين أخ فاضل اعتبره أستاذا لي حول وضع الصين الحالي ومكانتها، وتلاقت أراء فريدمان مع ما قاله الأستاذ العزيز حول أهميه أن تكون هناك قيمه مضافة في التجربة الصينية الرائدة فليس كون الصين قد حققت نموا قويا "بلغ 8.7% خلال عام 2009 و10.7% خلال الربع الرابع من نفس العام" وزادت صادراتها بعدما ازاحت المانيا عن طريقها وحققت فائضا لاحتياطياتها من الدولار بلغ 2270 مليار دولار في سبتمبر 2009، وتزاحم اليابان على المقعد الثاني على المستوى العالمي، أنها صارت قوة عظمى.
لا ليس بعد، لأنه على الرغم من تفوق الولايات المتحدة – حيث تتربع بلا منافس على مركز الصداره الأولى عالميا كناتج إجمالي محلي يصل إلى 14 تريليون دولار دون منافس تليها اليابان بفارق كبير عند 4 تريليون دولار- إلا أن لديها قيمه مضافه صارت متوازيه مع ذلك تمثلت فى امتلاك ثوره تكنولوجيه هائلة مكنتها من ترسيخ تفوقها اقتصاديا وعسكريا وضمنت لها ان تكون محور ارتكاز دائم لفترة طويلة خصوصا بعد ترنح الاتحاد السوفيتي ثم سقوطه عام 1991، ولا تزال كذلك قوة كبرى رغم وهنها الاقتصادي الحالي لامتلاكها قيمه مضافة تتمثل في إرث الثورة التكنولوجية التي امتدت إلى ثورة الانترنت والتي تتسابق شركاتها لإخراج الجيل الثاني والثالث منها وتحقق ارباحا بالمليارات ومن ثم تساهم القيمة المضافة في الاقتصاد بشكل قوي.
الصين حققت تفوقا كميا واضحا ظهرت آثاره خلال الفترة الماضية وبان أكثر إبان الأزمة المالية حيث أظهرت تعافيا ملموسا وقويا من خلال نسب النمو التي حققتها خلال عام 2009 السابق ذكرها وقدره أسواقها على النمو واجتذاب رؤس اموال ضخمه تدفع عجله تنميتها بلا توقف، وعلى الرغم من مد شبكات مواصلات عملاقه بحق فخطوط السكك الحديديه التى تم مدها على سبيل المثال بين بكين وشنغهاي بتكلفه تجاوزت 23 مليار دولار لتقطع المسافه فى خمس ساعات بين المدينتين بدلا من اثنتي عشره ساعة بواسطة القطار المسمى بـ"الطلقة" أو فائق السرعة فلنا أن نتخيل كم ستساوى الساعات السبع التى تم اختصارها لدى الصينين الذين يعملون بايقاع متسارع؟؟؟
الصينيون ايضا يقومون بمد شبكه ضخمه لمترو الانفاق بين مدنهم، فهم يقدرون قيمه الوقت ويعرفون تماما انه يساوي الكثير في ميزانهم التجاري وكذلك ناتجهم الإجمالي المحلي، لكن بالتوازي تبقى الإشكالية قائمه حول امتلاك الصين او بمعنى ادق مشاركتها بقيمه مضافه تجعلها فى مكانه دوليه مرموقه فالانتاج الكمي يجب ان يوازيه انتاج كيفي وهو ما لم يتحقق بعد للصين، وتبدو اشكاليتها الاخيرة مع جوجل محطة مهمة في هذا السياق ستفرز الى حد كبير مدى النضج الذى وصل اليه الفكر الصينى فى التعاملات مع مجريات الاحداث.
لان جوجل تعد عنوانا مناسبا للثورة الآنيه والقادمه للتفاعل المعلوماتى الكبير- بغض النظر عن الحيثيات والحساسيات السياسيه لدى الحكومه الاشتراكيه الصينيه بالاضافه لهاجس الامن القومى- ،حيث لايكفى المال وعدد السكان فقط ليكون مصدرا للقوة بل يجب التفاعل والتقارب من الاشد ذكاءا والاكثر خبره اينما كان فالحواجز البيروقراطيه اصبحت غير موجوده اصلا بعد امتلاك اكثر من 400 مليون صينى لقدره التحرك بحريه فى بحور الانترنت.
وربما تخوف البعض على النموذج الصينى من فقاعه العقارات رغم كون الحكومه قد حددت هدفها للعام الحالى قبل بدايته والمتمثل فى مكافحه التضخم والفقاعات العقاريه بالاضافه الى الحفاظ على النمو، فان بنك الشعب الصينى – البنك المركزى - متأهب دائما لاتخاذ القرارات الرادعه وعلى الرغم ان احتمالات ظهور الفقاعه لم تنته بعد، لكن من الواضح ان الاجراءات الصارمه الاخيره بزياده الاحتياطيات ورفع نسب الفائده ستُبعد الى حد كبير شبح التجربه اليابانيه فى ثمانينات القرن الماضى والاسبانيه الحاليه حيث ارهقت الاخيره الاقتصاد الاسبانى كثيرا واثقلته بالديون وابطأت تحركه.
نحن ننتظر فى النهايه قيمه الصين المضافه، فالتكنولوجيا هى قوة هائله بحد ذاتها تماما كما كان عدد السكان فاعلا ومؤثرا وليس عبئا ثقيلا على كاهل الحكومه الصينيه، ننتظر المرحله القادمه والخطوه التاليه فى مرحله النضج الصينى لان الثورة الصناعيه التى لم تلحق بها الصين عندما قامت فى اواخر القرن التاسع عشر مهدت الطريق نحو استغلال طاقات الفحم فى تحريك الآلات - ومن ثم النفط ومن ثم محاولات تحريكها بالطاقه الشمسيه اوالمتجدده فهل سنرى الصين تحركها بالطاقه النظيفه الرخيصه؟؟ كما عودتنا دائما على الاقتصاد فى كل شىء؟؟ وهل ستكون فاعلا فى ثوره الانترنت التى لاتزال حكرا على الولايات المتحده وهو ما يثير حنق الصين ذاتها؟؟
سنرى ما الذى ستفعله الصين وما الذى ستضيفه لان ذلك يمثل المنعطف القادم فى نضج التجربه الصينيه وسيكون – فى رأيى – محور الارتكاز الرئيسى لدفع القاطره الصينيه او تلكؤها.