الخصخصة في الميزان .. كيف نستفيد؟

02/10/2017 1
عبدالله بن عبدالرحمن الربدي

خلال السنوات القليلة القادمة سوف تجرى في السعودية واحدة من اكبر عمليات الخصخصة حول العالم، حيث تعتزم الحكومة تخصيص العديد من المرافق العامة وفي عدة فطاعات، وذلك لتحقيق عدة اهداف اقتصادية عامة، وخلال الفترة الماضية جرى الكثير من الحديث حول الخصخصة ودار جدل بين مؤيدين ومعارضين لمشاريع الخصخصة وهذا ليس بالجديد بل ان هنالك انقسام بين الاقتصادين حول الخصخصة ومنافعها ومساوئها وان كان في نظري الغلبة لمؤيديها، ولكل من الفريقين امثلة يوردها تؤيد وجهة نظرهم، وسبق ان كتبت مقالا فصلت فيه منافع ومضار الخصخصة وانعكاساتها على السعودية في المستقبل، لكن مع احتداد النقاش هذه الأيام فمن المناسب التطرق لهذا الموضوع ومن جانب جديد وهو الإجابة على سؤال هل الخصخصة هي الأنسب للوضع الاقتصادي الحالي للسعودية؟

الإجابة في رأي الشخصي نعم، اما الأسباب فهي ان إدارة الحكومة للقطاعات اخذت حقها خلال العقود الماضية بأداء متقلب لكن في الغالب اقل من الطموح وخلال السنوات الأخيرة أصبحت متثاقلة وبتكلفة عالية ويكفي الاطلاع على الارتفاع الكبير في الميزانيات خلال العشر سنوات الأخيرة وباستبعاد الانفاق الرأسمالي (المشاريع) نجد ان الانفاق التشغيلي (الرواتب وعقود الصيانة) ارتفعت بشكل قوي جدا وأصبحت تستهلك اغلب الميزانية وبمخرجات اقل من المتوقع وتعاني من عدم رضى المواطنين سواء من تعليم او صحة وغيرها، وما يعزز هذا الافتراض هو مقارنة التكلفة التشغيلية لكل سرير في القطاع الحكومي مع الخاص وكذلك تكلفة الطالب في السنة في القطاعيين، وهذا يؤكد على خطورة الاستمرار بهذا الانفاق التشغيلي وعلى هذه المخرجات، ثانيا من المعروف ان الفساد اعلى في القطاعات الحكومية منه في القطاع الخاص وذلك في جميع دول العالم وهذا يدعم الاتجاه الي الخصخصة وفرض مزيد من السيطرة على أي فساد قد ينتشر، ثالثا الكفاءة، في أي حال من الأحوال الكفاءة اعلى في القطاع الخاص حيث المنفعة الاقتصادية تتحكم في القرارات بعيدا عن تأثيرات السياسة والتي تضغط على الحكومات في الكثير من الأحوال وتحول القرار من المنفعة الاقتصادية الي الجانب العاطفي او السياسة وما لهذا من تأثير على أداء المنشأة في نهاية الامر.

ان المعارضين للخصخصة لديهم الكثير للنقاش في هذه النقاط ومنها انه غير صحيح ان الخصخصة تقضي على الفساد والدليل تجارب الخصخصة في روسيا وامريكا اللاتينية وهو صحيح، وكذلك للكفاءة سوف يحاجون بان الكفاءة يمكن رفعها من خلال الضغط الناخبين على الحكومات المختارة، اعتقد ان افضل رد عليهم هو ان القضاء على الفساد من عدمه يعتمد على البيئة والمحيط وعلى القائمين على عملية الخصخصة فهم وعبر التشريعات والرقابة من يمنع ظهور الفساد او يهيئ البيئة المناسبة له عند انتقال هذه المرافق الي القطاع الخاص، وهذا ما يفسر نجاح الخصخصة في دول كثيرة وفشلها في دول أخرى، اما بالنسبة لإمكانية رفع الكفاءة عن طريق الضغط على الحكومات المنتخبة فهذا كلام نظري وعند الرجوع الي عالم الواقع فمن الصعب تطبيقه او حدوثه واذا حدث سوف يكون "مؤقت" ولا يمكن التعويل عليه كنموذج يعتمد عليه وخصوصا مع دهاليز السياسيين ومعارك الانتخابات واللعب بالناخبين، وعند النظر الي الحالة السعودية وعند مقارنتها مع دول أخرى تتميز بان القطاع العام اقوى واعلى كفاءة واقل فسادا مثل الدول الأوروبية وشمال أوروبا اتخذت القرار بتخصيص الكثير من قطاعاتها سعيا نحو "زيادة الكفاءة".

فان من الواضح ان الاتجاه بسيطرة الحكومة على المرافق والقطاعات قد "يكلفنا الكثير ويعيق التطور والنمو" في زمن تتسارع في التغيرات التقنية والاقتصادية بطريقة لا يمكن للقطاع العام الحكومي مواكبتها ولذلك سوف نجد انفسنا في نهاية الامر متخلفين عن ركب اغلب دول العالم وعجزنا التام عن فهم لماذا اصبحنا بهذه الحالة، لدينا في السعودية مثالين للخصخصة احداهما "ناجح" والأخر "فاشل" وهما قطاع الاتصالات وشركة المياه، ان من الأهمية دراسة نجاح وفشل هذه القطاعات لتعديل الخصخصة القادمة والاستفادة مما حصل، ان خصخصة قطاع الاتصالات نجح وبكل المعاير(رغم وجود بعض الملاحظات) فمن ناحية المستهلك فقد انخفضت الأسعار وبشكل متسارع ومن جهة أخرى زادت المنافسة بين الشركات وزادت الجودة واصبح الحصول على الخدمة امر سهل وتكلفة معقولة وجودة جيدة (طبعا بالمقارنة مع وضع السوق قبل عقدين مع وزارة الاتصالات قبل الخصخصة) ناهيك عن مليارات الريالات كعوائد سنوية لخزينة الدولة وكذلك سقوط تكلفتها من الميزانية وهذا جانب ناجح من الخصخصة، والسبب في الحكم بالنجاح استفادة ورضى جميع الأطراف من العملية (الحكومة والمواطن)، لكن على الجانب الاخر خصخصة بعض مرافق المياه وانشاء شركة المياه كانت نكسة ومخيبة للآمال حيث لم تقدم خدمة جيدة للعميل ولا تكلفة اقل، بل على العكس زاد فيها الفساد بشكل عجيب وغير مسبوق وساءت الخدمات، وزيادة على ذلك، حققت خسائر اكلت اغلب رأسمالها وهو الجانب الذي لا نريد تكراراه ابدا او حدوثه مع حالات الخصخصة القادمة، اعتقد ان تجربة وزارة المياه مع شركة المياه يجب دراستها بعمق ومعرفة كيف نتج لدينا منتج مشوه وفاسد بهذا الشكل وبالتالي كيف نمنع حدوثه مستقبلا ونحسن من منتجات الخصخصة كما يراد منها.

ختاما ورغم كل الجدل (وهو صحي على أي حال) يجب الانتباه وعدم التعجل في طروحات الخصخصة (رغم أهميتها على الاقتصاد السعودي اليوم وكما بينت في المقال) حيث ان لدينا تجربتين في السعودية احداهما نجحت وبكل المعايير والأخرى فشلت فشلا ذريعا (في نظري الشخصي)، وهما درس ممتاز نستطيع استخلاص الكثير من العبر وأسباب الفشل والنجاح للخصخصة، ولعل ابرز أسباب النجاح والفشل هي طريقة الطرح والإدارة والرقابة، حيث تم خصخصة الاتصالات بملكية كاملة ومن ثم بيع حصص للمواطنين ومن ثم فتح السواق للمنافسين وبالتالي أصبحت المنفعة الاقتصادية تدير الدفة، وهيئة الاتصالات تراقب وتشرف وتقنن ولا ترأس او تدير أيا من هذه الشركات، بينما في شركة المياه لم يحدث كل هذا، حيث تم تحويلها لشركة مملوكة للحكومة فقط وبإشراف ومراقبة ضعيفة من الوزارة (كرئيس مجلس إدارة) اذن الوضع اصبح وزارة الزراعة والمياه والبيئة هي المشغل والمراقب والمقنن وهي (في نفس الوقت) من ترأس وتدير مجلس إدارة شركة المياه وهذا التداخل في المصالح والاعمال والاشراف احد اهم أسباب فشل تخصيصها.