خذ ثم طالب.. ولا تنتظر التسويف الكاذب

21/09/2017 0
أحمد عبد الرحمن العرفج

بَعض النَّاس لَا يَمتَلك المرُونَة، ويَنظُر إلَى الحَيَاة مِن خِلال «أَبيض أَو أَسوَد»، أَو مِن خِلال استخدَام نَظريَّة أَخْذ الكُلّ، أَو تَرْك الكُلّ، ومِثل هَذه النَّظريَّات تَحرم الإنسَان مِن أَشيَاءٍ كَثيرة، بَل هي -أَحيَانًا- تُدخله فِي مَهَالِك ومَخَاسِر؛ كَان يُمكن تَفَاديهَا..!

لقَد كَان الرَّئيس التُّونسي الأَسبَق «الحبيب بورقيبة»، يُعاتِب المُفَاوضين فِي القَضيَّة الفِلسطينيَّة، لأنَّهم كَانوا يُفَاوضون عَلَى أَخذ كُلّ شَيء، أَو تَرْك كُلّ شَيء، فوَجَّه إليهم رِسَالَة قَال فِيهَا: «لَيتَكُم تَستَخدمون سِيَاسة خُذ ثُمَّ طَالِب»..!

وحَتَّى أَشرَح هَذه النَّظريَّة -وأَعني بِهَا نَظريَّة «القَنَاعَة المُؤقَّتة، وهِي بالمُنَاسبَة نَظريَّة عَرفجيَّة- دَعوني أَذكُر لَكُم هَذه القصّة، حَتَّى يَتَّضح المَقَال بالمِثَال:

لقَد اقترَض مِنِّي أَحَد الأَصدِقَاء «عَشرة آلَاف ريَال»؛ قَبل عَشر سَنوَات، وفِي كُلِّ مَرَّة أُقَابله فِيهَا، كَان يَعتَذر بأنَّ المَبلَغ غَير مُكتَمل، ويُطَالب بأنْ يُعطيني؛ حَسب مَا يَتوفَّر مَعه مِن المَبلغ، سَوَاء كَانت أَلف ريَال أَو 1500، لَكن فِي ذَلك الوَقت، كَان رَأسِي يَابِسًا، يُشبه رؤُوس المُفَاوضين الفِلسطينيين، أَو كَان مُربَّعًا يُشبه الصُّورَة المُربَّعة، التي تُوضع فِي جَوَاز السَّفر، وكُنت حِينهَا مُتطرِّفًا، لَا أَقبَل إلَّا بكَامِل المَبلَغ، وبَعد مرُور خَمس سَنوَات، لَم أَحصُل عَلَى المَبلغ، بسَبَب فِكرتي الحَادَّة فِي استرجَاعه..!

وبَعد خَمس سَنوَات، أَصبَح رَأسي لَيِّنا، وتَنازلتُ عَن تَطرُّفي، فأَصبَحتُ أَتعَامَل مَع صَديقي تَعَامُل الغَنَائِم، وفِي كُلِّ مَرَّة أُقابله، يَسمَح لِي بأَنْ أَستَولي عَلَى مَا فِي جيبه، مَرَّة أَحصُل عَلَى أَلف ريَال، ومَرَّة عَلَى 700، ومَرَّة عَلَى 500، حَتَّى اكتَمل المَبلغ خِلال عَام وَاحِد..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: لقَد تَعلَّمتُ مِن الأَدَب العَربي الشّيء الكَثير، ومِن هَذا الذي تَعلَّمته المرُونَة والمُجَارَاة، والمُهَادنة والتَّعَاطِي مَع الحَيَاة، مِن خِلال استخدَام نَظريّة «فَنّ المُمكن»، أَو نَظريّة «حَلٌّ وَاحِد جَيّد قَابِل للتَّطبيق»، خَيرٌ مِن عَشرة حلُول مُمتَازَة، ولَكنَّها صَعبَة أَو مُستَحيلَة التَّطبيق..!!

 
نقلا عن المدينة